وقيل إنه مختص بالنهار وليس مقلوباً من سرى، وإيثار لفظة العبد للإيذان بتمحضه ﷺ في عبادته سبحانه وبلوغه في ذلك غاية الغايات القاصية ونهاية النهايات النائية حسبما يلوح مبدأ الإسراء ومنتهاه، والعبودية على ما نص عليه العارفون أشرف الأوصاف وأعلى المراتب وبها يفتخر المحبون كما قيل :
لا تدعني إلا بيا عبدها...
فإنه أشرف أسمائي
وقال آخر :
بالله ان سألوك عني قل لهم...
عبدي وملك يدي وما أعتقته
وعن أبي القاسم سليمان الأنصاري أنه قال : لما وصل النبي ﷺ إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة أوحى الله تعالى إليه يا محمد بم ننشرفك؟ قال : بنسبتي إليك بالعبودية فأنزل الله تعالى ﴿ سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ ﴾ وجاء قولوا عبد الله ورسوله، وقيل إن في التعبير به هنا دون حبيبه مثلا سداً لباب الغلو فيه ﷺ كما وقع للنصارى في نبيهم عليه السلام، وذكروا أنه لم يعبر الله تعالى عن أحد بالعبد مضافاً إلى ضمير الغيبة المشار به إلى الهوية إلا النبي ﷺ وفي ذلك من الإشارة ما فيه، ومن تأمل أدنى تأمل ما بين قوله تعالى :﴿ سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ ﴾ وقوله تعالى :
﴿ وَلَمَّا جَاء موسى لميقاتنا ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] ظهر له الفرق التام بين مقام الحبيب ومقام الكليم ﷺ وسيأتي إن شاء الله تعالى قريباً في هذه السورة ما يفهم منه الفرق أيضاً فلا تغفل، وإضافة ﴿ سبحانه ﴾ إلى الموصول المذكور للأشعار بعلية ما حيز الصلة للمضاف فإن ذلك من أدلة كمال قدرته وبالغ حكمته وغاية تنزهه تعالى عن صفات النقص، وقوله تعالى :﴿ لَيْلاً ﴾ ظرف لأسرى، وفائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الإسراء وأنها بعض من أجزاء الليل ولذلك قرأ عبد الله.
وحذيفة ﴿ مِّنَ الليل ﴾ أي بعضه كقوله تعالى :﴿ وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ ﴾ [ الإسراء : ٧٩ ].