فالوقف عنده على " واستكبر "، وجوز في قوله :" وَكَانَ مِنَ الكَافِرينَ " أن يكون مستأنفاً، وأن يكون حالاً أيضاً، و" الإباء " : الامتناع ؛ قال الشاعر :[ الوافر ]
وَإِمَّا أنْ يَقُولُوا قَدْ أَبَيْنَا...
وَشَرُّ مَوَاطِنِ الحَسَبِ الإبَاءُ
وهو من الأفعال المفيدة للنفي، ولذلك وقع بعده الاستثناء المفرّغ قال تعالى :﴿ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ﴾ [ التوبة : ٣٢ ].
والمشهور " أَبِيَ - يَأْبَى " بكسرها في الماضي، وفتحها في المضارعن وهذا قياس، فيحتمل أن يكون من قال :" أَبَى - يَأْبَى " بالفتح فيهما استغنى بمُضَارع من قال " أَبِيَ " بالكسر ويكون من التداخل نحو :" رَكَنَ - يَرْكَنُ " وبابه.
واستكبر بمعنى : تَكَبَّرَ، وإنما قدم الإباء عليه، وإن كان متأخراً عنه في الترتيب ؛ لأنه من الأفعال الظَّاهرة ؛ بخلاف الاستكبار ؛ فإنه من أفعال القلوب.
قوله :" وَكَانَ " بل : هي هنا بمعنى " صَارَ " ؛ كقوله :[ الطويل ]
بِتَيْهَاءَ قَفْرٍ والمَطِيُّ كَأَنَّهَا...
قَطَا الحَزْنِ قَدْ كَانَتْ فِرَاخاً بُيُوضُهَا
أي : قد صارت.
ورد هذا ابن فورك وقال :" تردّه الأصول، والأظهر أنها على بابها والمعنى : كان من القوم الكافرين الَّذين كانوا في الأَرْضِ قبل خَلْقِ آدم على ما روي، وكان في علم الله ". أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ١ صـ ٥٢٧ ـ ٥٤٤﴾. باختصار.
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)﴾
السجود لا يكون عبادة لِعَيْنهِ ولكن لموافقة أمره سبحانه، فكأن سجودَهم لآدم عبادةٌ لله ؛ لأنه كان بأمره، وتعظيماً لآدم لأنه أمرهم به تشريفاً لشأنه، فكأن ذلك النوعَ خضوعٌ له ولكن لا يسمى عبادة، لأن حقيقة العبادة نهاية الخضوع وذلك لا يصحُّ لغيره سبحانه.


الصفحة التالية
Icon