فائدة
قال القرطبى :
في قوله تعالى :﴿اسكن﴾ تنبيه على الخروج ؛ لأن السُّكْنَى لا تكون ملكاً ؛ ولهذا قال بعض العارفين : السكنى تكون إلى مدّة ثم تنقطع، فدخولهما في الجنة كان دخول سُكْنَى لا دخول إقامة.
قلت : وإذا كان هذا فيكون فيه دلالة على ما يقوله الجمهور من العلماء : إن من أسكن رجلاً مسكناً له أنه لا يملكه بالسُّكْنَى، وأن له أن يخرجه إذا انقضت مدّة الإسكان.
وكان الشعبيّ يقول : إذا قال الرجل داري لك سُكْنَى حتى تموت فهي له حياتَه وموتَه، وإذا قال : داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها إذا مات.
ونَحوٌ من السُّكْنَى العُمْرَى، إلا أن الخلاف في العُمْرَى أقوى منه في السُّكْنَى.
وسيأتي الكلام في العُمْرَى في " هود" إن شاء الله تعالى.
قال الحَرْبيّ : سمعت ابن الإعرابي يقول : لم يختلف العرب في أن هذه الأشياء على مِلْك أربابها ومنافعها لمن جُعلت له العُمْرىَ والرقبى والإفقار والإخبال والمِنحة والعَرِيّة والسُّكْنَى والإطراق.
وهذا حجة مالك وأصحابه في أنه لا يملك شيء من العطايا إلا المنافع دون الرِّقاب ؛ وهو قول اللَّيْث بن سعد والقاسم بن محمد، ويزيد بن قُسيط.
والعُمْرَى : هو إسكانك الرجل في دار لك مدّة عمرك أو عمره.
ومثله الرُّقْبَى.
وهو أن يقول : إن مُتُّ قبلي رجعتْ إليّ وإن متُّ قبلك فهي لك ؛ وهي من المراقبة.
والمراقبة : أن يَرقُب كلُّ واحد منهما موتَ صاحبه ؛ ولذلك اختلفوا في إجازتها ومنعها، فأجازها أبو يوسف والشافعي، وكأنها وَصِيَّةٌ عندهم.
ومنعها مالك والكوفيون ؛ لأن كل واحد منهم يقصد إلى عوض لا يدري هل يحصل له، ويتمنى كل واحد منهما موت صاحبه.


الصفحة التالية
Icon