القول الثالث : وهو قول جمهور أصحابنا : أن هذه الجنة هي دار الثواب والدليل عليه أن الألف واللام في لفظ الجنة لا يفيدان العموم لأن سكنى جميع الجنان محال، فلا بد من صرفها إلى المعهود السابق والجنة التي هي المعهودة المعلومة بين المسلمين هي دار الثواب، فوجب صرف اللفظ إليها، والقول الرابع : أن الكل ممكن والأدلة النقلية ضعيفة ومتعارضة فوجب التوقف وترك القطع. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣ صـ ٤ ـ ٥﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿الجنة﴾ الجنة : البُستان، وقد تقدّم القول فيها.
ولا التفات لما ذهبت إليه المعتزلة والقدرية من أنه لم يكن في جنة الخُلْد وإنما كان في جنة بأرض عَدَن.
واستدلوا على بدعتهم بأنها لو كانت جنة الخلد لما وصل إليه إبليس، فإن اللَّه يقول :﴿لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ﴾ [ الطور : ٢٣ ] وقال :﴿لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً﴾ [ النبأ : ٣٥ ] وقال :﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً.
إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً﴾ [ الواقعة : ٢٥ ٢٦ ].
وأنه لا يخرج منها أهلها لقوله :﴿وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ [ الحجر : ٤٨ ].
وأيضاً فإن جنة الخُلْد هي دار القُدْس، قُدّست عن الخطايا والمعاصي تطهيراً لها.
وقد لَغَا فيها إبليس وكَذَب، وأُخْرِج منها آدم وحواء بمعصيتهما.
قالوا : وكيف يجوز على آدم مع مكانه من الله وكمال عقله أن يطلب شجرة الخُلْد وهو في دار الخُلْد والمُلْك الذي لا يبلَى ؟ فالجواب : أن الله تعالى عَرّف الجنة بالألف واللام ؛ ومن قال : أسأل الله الجنة ؛ لم يُفهم منه في تعارف الخلق إلا طلب جنة الخلد.