وثالثها : أن هذا النهي لو كان نهي تنزيه لما استحق آدم بفعله الإخراج من الجنة ولما وجبت التوبة عليه، والجواب عن الأول نقول : إن النهي وإن كان في الأصل للتنزيه ولكنه قد يحمل على التحريم لدلالة منفصلة، وعن الثاني : أن قوله :﴿فَتَكُونَا مِنَ الظالمين﴾ أي فتظلما أنفسكما بفعل ما الأولى بكما تركه لأنكما إذا فعلتما ذلك أخرجتما من الجنة التي لا تظمآن فيها ولا تجوعان ولا تضحيان ولا تعريان إلى موضع ليس لكما فيه شيء من هذا، وعن الثالث : أنا لا نسلم أن الإخراج من الجنة كان لهذا السبب وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
البحث الثاني : قال قائلون قوله :﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ يفيد بفحواه النهي عن الأكل، وهذا ضعيف لأن النهي عن القرب لا يفيد النهي عن الأكل إذ ربما كان الصلاح في ترك قربها مع أنه لو حمل إليه لجاز له أكله، بل هذا الظاهر يتناول النهي عن القرب.
وأما النهي عن الأكل فإنما عرف بدلائل أخرى وهي قوله تعالى في غير هذا الموضع :﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سوآتهما﴾ [ الأعراف : ٢٢ ] ولأنه صدر الكلام في باب الإباحة بالأكل فقال :﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ فصار ذلك كالدلالة على أنه تعالى نهاهما عن أكل ثمرة تلك الشجرة لكن النهي عن ذلك بهذا القول يعم الأكل وسائر الانتفاعات ولو نص على الأكل ما كان يعم كل ذلك ففيه مزيد فائدة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣ صـ ٥ ـ ٦﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ أي لا تقرباها بأكل ؛ لأن الإباحة فيه وقعت.
قال ابن العربي : سمعت الشّاشيّ في مجلس النَّضْر ( بن شُميل ) يقول : إذا قيل لا تقرَب ( بفتح الراء ) كان معناه لا تَلَبَّس بالفعل، وإذا كان ( بضم الراء ) فإن معناه لا تَدْنُ منه.
وفي الصحاح : قَرُب الشيءُ يقرُب قُرْباً أي دنا.
وقَرِبته ( بالكسر ) أَقْرَبه قُرْبانا أي دنَوْت منه.


الصفحة التالية
Icon