سؤال : فإن قيل : ما وجه الحكمة في تخصيص تلك الشجرة بالنهي ؟
فالجواب : أنه ابتلاء من الله تعالى بما أراد.
وقال أبو العالية : كان لها ثقل من بين أشجار الجنة، فلما أكل منها : قيل أخرج إلى الدار التي تصلح لما يكون منك. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ١ صـ ٦٧﴾
فائدة
قال القرطبى :
يقال إن أوّل مَن أكل من الشجرة حوّاء بإغواء إبليس إياها على ما يأتي بيانه وإن أوّل كلامه كان معها لأنها وسواس المحنة، وهي أوّلِ فتنة دخلت على الرجال من النساء ؛ فقال : ما منعتما هذه الشجرة إلا أنها شجرة الخُلْد ؛ لأنه علم منهما أنهما كانا يُحبّان الخُلْد، فأتاهما من حيث أحبّا " حُبّك الشيء يُعمِي ويُصِم" فلما قالت حوّاء لآدم أنكر عليها وذكر العهد ؛ فألحّ على حّواء وألَحّت حوّاء على آدم، إلى أن قالت : أنا آكل قبلك حتى إن أصابني شيء سَلِمْتَ أنت ؛ فأكلتْ فلم يضرها، فأتت آدم فقالت : كُلْ فإني قد أكلتُ فلم يضرّني ؛ فأكل فبدت لهما سوءاتهما وحصلا في حكم الذنب ؛ لقول الله تعالى :﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ فجمعهما في النّهي ؛ فلذلك لم تنزل بها العقوبة حتى وُجد المنهيّ عنه منهما جميعاً، وخَفِيت على آدم هذه المسألة ؛ ولهذا قال بعض العلماء : إن من قال لزوجتيه أو أَمَتَيْه : إن دخلتما الدار فأنتما طالقتان أو حُرّتان ؛ إن الطلاق والعتق لا يقع بدخول إحداهما.
وقد اختلف علماؤنا في ذلك على ثلاثة أقوال ؛ قال ابن القاسم : لا تطلقان ولا تَعتِقان إلا باجتماعهما في الدخول ؛ حملاً على هذا الأصل وأخذاً بمقتضى مطلق اللفظ.
وقاله سُحْنون.
وقال ابن القاسم مرة أخرى : تطلقان جميعاً وتَعتِقان جميعاً بوجود الدخول من إحداهما ؛ لأن بعض الحِنْث حِنْث ؛ كما لو حلف ألاّ يأكل هذين الرغيفين فإنه يحنث بأكل أحدهما بل بأكل لُقمة منهما.
وقال أشهب : تَعتِق وتطلقُ التي دخلت وحدها ؛ لأن دخول كلّ واحدة منهما شرطٌ في طلاقها أو عتقها.
قال ابن العربي : وهذا بعيد ؛ لأن بعض الشرط لا يكون شرطاً إجماعاً.
قلت : الصحيح الأوّل، وإن النّهي إذا كان معلَّقاً على فعلين لا تتحقق المخالفة إلا بهما ؛ لأنك إذا قلت : لا تدخلا الدار ؛ فدخل أحدهما ما وُجدت المخالفة منهما ؛ لأن قول الله تعالى ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ نَهْيٌ لهما ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظالمين﴾ جوابه ؛ فلا يكونا من الظالمين حتى يفعلا ؛ فلما أكلت لم يصبها شيء ؛ لأن المنهيّ عنه ما وُجد كاملاً.
وخَفِيَ هذا المعنى على آدم فطمع ونسي هذا الحكم، وهو معنى قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إلى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ﴾.
وقيل : نسي قوله :﴿إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى﴾ [ طه : ١١٧ ]. والله أعلم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١ صـ ٣٠٧ ـ ٣٠٨﴾


الصفحة التالية
Icon