لطيفة
قال فى ملاك التأويل :
قوله تعالى :" وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة " وفى سورة الأعراف :" ويآدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة "، فى هذا سؤالان :
الأول : ورود أمرهما بالأكل فى البقرة بواو النسق المقتضية عدم الترتيب ما لم يفهم من غيرها، وفى الأعراف : بالفاء المقتضية الترتيب والتعقيب والأمر واحد والقصة واحدة.
والثانى : وصف الأكل فى البقرة بالرغد ولم يقع هذا الوصف فى الأعراف مع اتحاد الأمر كما ذكرنا.
والجواب عن السؤال الأول : والله أعلم أن الوارد فى الآيتين مختلف فى الموضعين أما الوارد فى البقرة فقصد به الإخبار والإعلام لرسول الله ﷺ بما جرى فى قصة آدم صلوات الله وسلامه عليه وابتداء خلقه وأمر الملائكة بالسجود له وما جرى من إبليس عن السجود ثم ما أمر آدم من سكنى الجنة والأكل منها ولم يقصد غير التعريف بذلك من غير ترتيب زمانى أو تحديد غاية فناسبه الواو وليس موضع الفاء، وأما آية الأعراف فمقصودها تعداد نعم الله جل وتعالى على آدم وذريته ألا ترى ما تقدمها من قوله تعالى :" ولقد مكناكم فى الأرض " وما اتبع به هذا من ذكر الخلق والتصوير وأمر الملائكة بالسجود لآدم ثم قوله مفردا لإبليس :" اخرج منها مذءوما مدحورا " ثم بعد ذلك أمر آدم عليه السلام بالهبوط متبعاً بالتأنيس له ووصية ذريته فى قوله تعالى :" يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان " فتاسب هذا القصد العطف بالفاء المقتضية الترتيب والواو لا تقتضى ذلك وإنما بابها الجمع حيث لا يراد ترتيب وليس موضع شرط وجزاء فيكون ذلك مسوغاً لدخول الفاء، وإنما ورد هنا لما ذكرته من قصد تجريد التفصيل المحصل لتعداد النعم، ولما اختلف القصدان اختلفت العبارة عنهما، فورد كل على ما يناسب. والله أعلم.