وأما السؤال الثانى فالجواب عنه : أن ورود الرغد فى آية البقرة وسقوط ذلك فى الأعراف إنما ذلك لأن المعنى من هنا التبعيض ومعناها بما هو تبعيض قد يسبق منه إرادة التقليل وهو غير مراد هنا، وإنما مصرف التبعيض هنا إلى المأكول منه، فإن ما اشتملت عليه الجنة من ذلك إذا أكلت منه ذرية آدم بأجمعها فإنما تأكل بعضا إذ فيها من كل متنعم به ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فاجتمع هنا أن البعضية مرادة بالنظر إلى ما انطوت عليه الجنة وإباحة التوسعة فى أكلها مقصودة وليس ثم ما يحرزها فقال تعالى :" رغداً " ليحصل المعنى التوسعة وتجردت " من " لإحراز معناها ولم يكن هنا بد إذ ليس فى السياق ما يحرز ذلك المعنى من التوسعة وذلك قوله تعالى :" من حيث شئتما " لإباحة ما فى أماكنها ومن المحال أن يباح لهما الأكل من حيث شاءا منها على اتساع المساحة وكثرة المآكل ثم يحجر عليهما التوسع فى الأكل والرغد فيه، هذا متناقض.
فإن قيل : قد وقع فى سورة البقرة :" حيث شئتما " وتلك توسعة فى الأماكن
قلت : ليس موقع حيث شئتما " موقع " من حيث شئتما " لأن " من حيث شئتما " يحرز ويعطى إباحة الأكل من ثمر كل موضع فيها.
أما حيث إذا لم يكن معها " من " فإنها تعطى بأظهر الاحتمالين إباحة الأكل فى كل موضع لا من ثمر كل موضع فقد يقال للشخص كل هذا العنقود حيث شئت من هذا البستان فإنما أبيح له أكل عنقود معين مخصوص حيث شاء من أماكن ذلك البستان ولم يتعرض بهذه العبارة لإباحة أكل ما فى كل موضع منه الا باحتمال ضعيف.
أما إذا قيل له كل من حيث شئت من مواضع هذا البستان فقد أبيح له الأكل من كل ما فى مواضعه، وحصلت التوسعة فى المأكل ولم يحصل ذلك عند سقوط " من " على ما تقدم آنفا، فقد وضح افتراق الموضعين، وتعين ورود رغداً فى البقرة إذ ليس ثم ما يحرزه وتعين سقوطه فى الأعراف لوجود ما بحرزه. والله أعلم بما أراد. أ هـ ﴿ملاك التأويل صـ ٢٨ ـ ٣٠﴾


الصفحة التالية
Icon