﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ الضمير المجرور للجنة على حذف مضاف أي من مطاعمها من ثمار وغيرها فلم يحظر عليهما شيئاً إلا ما سيأتي، وأصل كُلاَ أأكلا بهمزتين الأولى للوصل، والثانية فاء الكلمة فحذفت الثانية لاجتماع المثلين حذف شذوذ وأتبعت بالأولى لفوات الغرض، وقيل : حذفا معا لكثرة الاستعمال والرغد بفتح الغين وقرأ النخعي بسكونها الهنيّ الذي لا عناء فيه أو الواسع، يقال : رغد عيش القوم، ورغد بكسر الغين وضمها كنوا في رزق واسع كثير، وأرغد القوم أخصبوا وصاروا في رغد من العيش، ونصبه على أنه نعت لمصدر محذوف، أي أكلاً رغداً.
وقال ابن كيسان : إنه حال بتأويل راغدين مرفهين، و( حيث ) ظرف مكان مبهم لازم للظرفيه، وإعرابها لغة بني فقعس ولا تكون ظرف زمان خلافاً للأخفش، ولا يجزم بها دون ( ما ) خلافاً للفراء، ولا تضاف للمفرد خلافاً للكسائي ؛ ولا يقال : زيد حيث عمرو خلافاً للكوفيين ويعتقب على آخرها الحركات الثلاث مع الياء والواو والألف ويقال : حايث على قلة وهي هنا متعلقة بِكُلاَ، والمراد بها العموم لقرينة المقام وعدم المرجح أي أيّ مكان من الجنة شئتما وأباح لهما الأكل كذلك إزاحة للعذر في التناول مما حظر، ولم تجعل متعلقة ب ﴿اسكن﴾، لأن عموم الأمكنة مستفاد من جعل الجنة مفعولا به له، مع أن التكريم في الأكل من كل ما يريد منها لا في عدم تعيين السكنى ولأن قوله تعالى في آية أخرى :﴿فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ [ الأعراف : ١٩ ] يستدعي ما ذكرنا، وكذا قوله سبحانه :


الصفحة التالية
Icon