وقوله :﴿ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين﴾ يعني به ولا تأكلا من الشجرة لأن قربانها إنما هو لقصد الأكل منها فالنهي عن القربان أبلغ من النهي عن الأكل لأن القرب من الشيء ينشىءُ داعية وميلاً إليه ففيه الحديث " من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه " وقال ابن العربي سمعتُ الشاشي في مجلس النظر يقول :( إذا قيل لا تقرب ( بفتح الراء ) كان معناه لا تتلَبس بالفعل، وإذا قيل بضم الراء كان معناه لا تدن منه ) أ هـ.
وهو غريب فإن قَرُب وقَرِب نحو كرم وسمع بمعنى دنا، فسواء ضممت الراء أو فتحتها في المضارع فالمراد النهي عن الدنو إلا أن الدنو بعضه مجازي وهو التلبس وبعضه حقيقي ولا يكون للمجازي وزن خاص في الأفعال وإلا لصار من المشترك لا من الحقيقة والمجاز، اللهم إلا أن يكون الاستعمال خص المجازي ببعض التصاريف فتكون تلك الزنة قرينة لفظية للمجاز وذلك حَسن وهو من محاسن فروق استعمال الألفاظ المترادفة في اللغة العربية مثل تخصيص بَعِدَ مكسور العين بالانقطاع التام وبعد مضموم العين بالتنحّي عن المكان ولذلك خص الدعاء بالمكسور في قولهم للمسافر لا تبعَد، قالت فاطمة بنت الأحجم الخزاعية :
إخْوَتِي لا تَبْعَدوا أبدا...
وَبَلى واللَّه قَد بعِدوا
وفي تعليق النهي بقربان الشجرة إشارة إلى منزع سد الذرائع وهو أصل من أُصول مذهب مالك رحمه الله وفيه تفصيل مقرر في أصول الفقه.
والإشارة بهذه إلى شجرة مرئية لآدم وزوجه، والمراد شجرة من نوعها أو كانت شجرةً وحيدة في الجنة.
وقد اختلف أهل القصص في تعيين نوع هذه الشجرة فعن علي وابن مسعود وسعيد بن جبير والسدي أنها الكرمة، وعن ابن عباس والحسن وجمهور المفسرين أنها الحنطة، وعن قتادة وابن جريج ونسبه ابن جريج إلى جمع من الصحابة أنها شجرة التين.
ووقع في سفر التكوين من التوراة إبهامها وعبر عنها بشجرة معرفة الخير والشر.
وقوله :﴿فتكونا من الظالمين﴾ أي من المعتدين وأشهر معاني الظلم في استعمال العرب هو الاعتداء، والاعتداء إما اعتداء على نهي الناهي إن كان المقصود من النهي الجزْم بالترك وإما اعتداء على النفس والفضيلة إن كان المقصود من النهي عن الأكل من الشجرة بقاء فضيلة التنعُم لآدم في الجنة، فعلى الأول الظلم لأنفسهما بارتكاب غضب الله وعقابه وعلى الثاني الظلم لأنفسهما بحرمانها من دوام الكرامة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ١ صـ ٤١٣ ـ ٤١٨﴾