أذن الله بخلاصهم منهم على أيدي بني حشمناي الكهنة، ثم أطاعوا بعد ذلك ملوك الروم إلى هذه الغاية، ولم يروا أن عليهم نقصاً في طاعتهم، وكذلك أنتم إن أطعتموهم كان ذلك أولى بكم من أن تعرضوا أنفسكم للهلاك، ونعمتكم للزوال، وبلدكم للخراب، وتحصلوا بعد ذلك في أضعاف ما كرهتموه من الذلن ولا يعذركم في ذلك عاقل ولا يحمد رأيكم، على أن الروم ما زالوا محسنين إليكم، كفوكم أمر أعدائكم من اليونانيين، وأزالوا سلطانهم عنكم، وأعانوكم على كثير من الأمم الذين يعادونكم حتى غلبتموهم واستوليتم عليهم، فأنتم بطاعتهم أولى منكم بمعصيتهم، وقد علمتم أن الله عز وجل قد جعل لكل أمة دولة وسلطاناً سلطها فيه، فإذا انقضى ذلك الزمان زالت دولتها وسلطانها فذلت لغيرها وخضعت لمن كان يخضع لها، وقد بسط الله أيديكم زماناً، وسلطكم على غيركم دهراً، ثم جعل الدولة والسلطان لسواكم، وأراد أن يذلكم لهم، فمتى خالفتم مراد الله ولم تقبلوا حكمه هلكتم، وليس يشك في أن الله أراد في هذا الزمان أن يرفع الروم ويبسط أيديهم، لأنه قد أذل لهم الملوك وظفرهم بالأمم حتى أطاعهم من في سائر جهات الدنيا ممن هو أشد منكم بأساً، وأكثر عدداً، وأقوى سلطاناً، وكيف تطمعون في أن تغلبوهم وأنتم تشاهدون إقبالهم وقوة أمرهم ومعونة الله لهم، وترون أنفسكم بخلاف ذلك، وليس يعيب الإنسان ولا ينقصه طاعته لمن هو أقوى منه وأعلى يداً، لأن الله عز وجل قد جعل أمر الخلق في الدنيا مبنياً على أن يكون بعضهم تابعاً لبعض، وبعضهم قاهراً لبعض، وبعضهم محتاجاً إلى بعض، وكل صنف يخضع لمن هو أقوى منه ويذل له ويطيعه، وذلك ظاهر موجود في الناس على طبقاتهم، وفي الحيوانات على اختلافها، وليس يستغني عن ذلك أحد، ولا يذمه عاقل، وإذ كان الأمر كذلك فليس ينقصكم طاعة الروم، ولا الروم بأول من أطعتموهم وقد تقدمت طاعتكم لهم منذ سنين ؛ وقد ابتدؤوكم في هذا الوقت بالجميل،


الصفحة التالية
Icon