وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ إِن أحسنتم ﴾
أي : وقلنا لكم إِن أحسنتم فأطعتُم الله ﴿ أحسنتم لأنفسكم ﴾ أي : عاقبةُ الطاعة لكم ﴿ وإِن أسأتم ﴾ بالفساد والمعاصي ﴿ فلها ﴾ وفيه قولان.
أحدهما : أنه بمعنى : فاِليها.
والثاني : فعليها.
﴿ فإذا جاء وعد الآخرة ﴾ جواب "فاذا" محذوف، تقديرُه : فإذا جاء وعد عقوبة المرة الآخرة من إِفسادكم، بعثناهم ليسوؤوا وجوهكم، وهذا الفساد الثاني، هو قتلهم يحيى بن زكريا، وقصدهم قتل "عيسى" فرُفِع، وسلَّط الله عليهم ملوك فارس والروم فقتلوهم وسبَوْهم، فذلك قوله :﴿ ليسوؤوا وجوهكم ﴾.
قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم :"ليسوؤوا" بالياء على الجميع والهمز بين الواوين، والإِشارة إِلى المبعوثين.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم :"ليسوءَ وجوهكم" على التوحيد ؛ قال أبو علي : فيه وجهان.
أحدهما : ليسوءَ اللهُ عز وجل.
والثاني : ليسوء البَعْثُ.
وقرأ الكسائي :"لنسوءَ" بالنون، وذلك راجع إِلى الله تعالى.
وفيمن بَعث عليهم في المرة الثانية قولان.
أحدهما : بختنصر، قاله مجاهد، وقتادة.
وكثير من الرواة يأبى هذا القول، ويقولون : كان بين تخريب "بختنصر" بيت المقدس، وبين مولد يحيى بن زكريا زمان طويل.
والثاني : انطياخوس الرومي، قاله مقاتل.
ومعنى ﴿ ليسوؤوا وجوهكم ﴾ أي : ليُدخِلوا عليكم الحزن بما يفعلون من قتلكم وسَبْيِكُم ؛ وخصت المساءاة بالوجوه، والمراد : أصحاب الوجوه، لما يبدو عليها من أثر الحزن والكآبة.
قوله تعالى :﴿ وليدخلوا المسجد ﴾ يعني : بيت المقدس ﴿ كما دخلوه ﴾ في المرة الأولى ﴿ وليُتَبِّروا ﴾ أي : ليدمِّروا ويخرِّبوا.
قال الزجاج : يقال لكل شيء ينكسر من الزجاج والحديد والذهب : تِبر.
ومعنى ﴿ ما علَوا ﴾ أي : ليدمِّروا في حال علوِّهم عليكم.
قوله تعالى :﴿ عسى ربكم أن يرحمكم ﴾ هذا مما وُعِدوا به في التوراة.