وقال السدّي : كان ملك بني إسرائيل يكرم يحيى بن زكريا ويستشيره في الأمر، فاستشاره الملك أن يتزوج بنت امرأة له فنهاه عنها وقال : إنها لا تحل لك ؛ فحقدت أمّها على يحيى عليه السلام، ثم ألبست ابنتها ثياباً حمراء رقاقاً وطيّبتها وأرسلتها إلى الملك وهو على شرابه، وأمرتها أن تتعرض له، وإن أرادها أبت حتى يعطيها ما تسأله ؛ فإذا أجاب سألتْ أن يؤتى برأس يحيى بن زكريا في طَسْت من ذهب ؛ ففعلت ذلك حتى أتي برأس يحيى بن زكريا والرأس يتكلم حتى وضع بين يديه وهو يقول : لا تحلّ لك ؛ لا تحلّ لك ؛ فلما أصبح إذا دمه يَغْلي، فألقى عليه التراب فغَلَى فوقه، فلم يزل يلُقي عليه التراب حتى بلغ سور المدينة وهو في ذلك يَغْلِي ؛ ذكره الثعلبي وغيره.
وذكر ابن عساكر الحافظ في تاريخه عن الحسين بن عليّ قال : كان ملك من هذه الملوك مات وترك امرأته وابنته فورِث مُلْكَه أخوه، فأراد أن يتزوج امرأة أخيه، فاستشار يحيى بن زكريا في ذلك، وكانت الملوك في ذلك الزمان يعملون بأمر الأنبياء، فقال له : لا تتزوجها فإنها بَغِيّ ؛ فَعُرِّفت المرأةُ أنه قد ذكرها وصرفه عنها، فقالت : من أين هذا! حتى بلغها أنه من قِبَل يحيى، فقالت : ليقتلن يحيى أو ليخرجن من ملكه، فعمَدت إلى ابنتها وصنّعتها، ثم قالت : اذهبي إلى عمك عند الملأ فإنه إذا رآك سيدعوك ويجلسك في حجره، ويقول سليني ما شئت، فإنك لن تسأليني شيئاً إلا أعطيتك، فإذا قال لك ذلك فقولي : لا أسأل إلا رأس يحيى.
قال : وكانت الملوك إذا تكلم أحدهم بشيء على رؤوس الملأ ثم لم يُمْض له نُزِع من ملكه ؛ ففعلت ذلك.
قال : فجعل يأتيه الموت من قتله يحيى، وجعل يأتيه الموت من خروجه من ملكه، فاختار ملكه فقتله.
قال : فساخت بأمّها الأرضُ.