وقال أبو السعود :
﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ ﴾
أعمالكم سواءٌ كانت لازمةً لأنفسكم أو متعديةً إلى الغير، أي عمِلتموها على الوجه اللائقِ ولا يُتصور ذلك إلا بعد أن تكون الأعمالُ حسنةً في أنفسها وإن فعلتم الأحيان ﴿ أَحْسَنتُمْ لاِنفُسِكُمْ ﴾ لأن ثوابَها لها ﴿ وَإِنْ أَسَأْتُمْ ﴾ أعمالَكم بأن عملتموها لا على الوجه اللائق ويلزمه السوءُ الذاتيُّ أو فعلتم الإساءة ﴿ فَلَهَا ﴾ إذ عليها وبالها، وعن علي كرم الله وجهه : ما أحسنتُ إلى أحد ولا أسأت إليه وتلاها ﴿ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الأخرة ﴾ حان وقت ما وُعد من عقوبة المرة الآخرة ﴿ لِيَسُوءواْ وُجُوهَكُمْ ﴾ متعلقٌ بفعل حُذف لدلالة ما سبق عليه، أي بعثناهم ليسوؤا ومعنى ليسوؤا وجوهَكم ليجعلوا آثارَ المساءة والكآبةِ باديةً في وجوهكم كقوله تعالى :﴿ سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ ﴾ وقرىء ليَسوءَ على أن الضمير لله تعالى أو للوعد أو للبعث، ولنسوءَ بنون العظمةِ، وفي قراءة علي رضي الله عنه : لَنَسُوأنّ على أنه جوابُ إذا، وقرىء لنَسوأنْ بالنون الخفيفة ولَيسوأنّ واللام في قوله عز وجل :﴿ وَلِيَدْخُلُواْ المسجد ﴾ عطف على ليسوؤا متعلقٌ بما تعلق هو به ﴿ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ أي في أول مرةٍ ﴿ وَلِيُتَبّرُواْ ﴾ أي يهلكوا ﴿ مَا عَلَوْاْ ﴾ ما غلبوه واستولَوْا عليه أو مدةَ علوِّهم ﴿ تَتْبِيرًا ﴾ فظيعاً لا يوصف بأن سلط الله عز سلطانه عليهم الفرسَ فعزاهم ملكُ بابِلَ من ملوك الطوائف اسمُه جودرد، وقيل : جردوس، وقيل : دخل صاحبُ الجيش فذبح قرابينَهم فوجد فيه دماً يغلي فسألهم عنه، فقالوا : دمُ قربانٍ لم يقبل منا، فقال : لم تصْدُقوني، فقتل على ذلك ألوفاً فلم يهدأ الدم، ثم قال : إن لم تصْدُقوني ما تركت منكم أحد، فقالوا : إنه دمُ يحيى بنِ زكريا عليهما الصلاة والسلام، فقال : لمثل هذا ينتقم منكم ربُّكم، ثم قال : يا يحيى قد علم ربي وربُّك ما أصاب قومَك من أجلك فاهدأ بإذن الله تعالى قبل أن


الصفحة التالية
Icon