وظاهر الآية يقتضي اتحاد المبعوثين أولاً وثانياً، ومن لا يقول بذلك يجعل رجوع الضمائر للعباد على حد رجوع الضمير للدرهم في قولك : عندي درهم ونصفه فافهم.
﴿ عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾
بعد البعث الثاني إن تبتم وانزجرتم عن المعاصي ﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ ﴾ للإفساد بعد الذي تقدم منكم ﴿ عُدْنَا ﴾ للعقوبة فعاقبناكم في الدنيا بمثل ما عاقبناكم به في المرتين الأوليين، وهذا من المقضي لهم في الكتاب أيضاً وكذا الجملة الآتية، وقد عادوا بتكذيب النبي ﷺ وقصدهم قتله فعاد الله تعالى بتسليطه عليه الصلاة والسلام عليهم فقتل قريظة وأجلى بني النضير وضرب الجزية على الباقين وقيل عادوا فعاد الله تعالى بأن سلط عليهم الأكاسرة ففعلوا بهم ما فعلوا من ضرب الإتاوة ونحو ذلك والأول مروي عن الحسن.
وقتادة، والتعبير بأن للإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يعودوا ﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للكافرين حَصِيرًا ﴾ قال ابن عباس.
وغيره : أي سجنا وأنشد في البحر قول لبيد :
ومقامه غلب الرقاب كأنهم...
جن على باب الحصير قيام
فإن كان اسماً للمكان المعروف فهو جامد لا يلزم تأنيثه وتذكيره.
وإن كان بمعنى حاصر أي محيط بهم وفعيل بمعنى فاعل يلزم مطابقته فعدم المطابقة هنا إما لأنه على النسب كلابن وتامر أي ذات حصر وعلى ذلك خرج قوله تعالى :﴿ السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾ [ المزمل : ١٨ ] أي ذات انفطار أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول وقيل التذكير على تأويل جهنم بمذكر، وقيل لأن تأنيثها ليس بحقيقي نقل ذلك أبو البقاء وهو كما ترى.


الصفحة التالية
Icon