وقد حصل بهذا التفريع إيجاز بديع قضاءً لِحَقّ التقسيم الأول في قوله :﴿ فإذا جاء وعد أولاهما ﴾ [ الإسراء : ٥ ]، ولِحَقّ إفادة ترتب مجيء وعد الآخرة على الإساءة، ولو عطف بالواو كما هو مقتضى ظاهر التقسيم إلى مرتين فاتت إفادة الترتب والتفرع.
والآخرة } صفة لمحذوف دل عليه قوله :﴿ مرتين ﴾، أي وعد المرة الآخرة.
وهذا الكلام من بقية ما قضي في الكتاب بدليل تفريعه بالفاء.
والآخرة ضد الأولى.
ولاماتُ "ليسوؤوا، وليدخلوا، وليتبروا" للتعليل، وليست للأمر لاتفاق القراءات المشهورة على كسر اللامين الثاني والثالث، ولو كانا لامَيْ أمرٍ لكانَا ساكنين بعد واو العطف، فيتعين أن اللام الأول لام أمر لا لام جر.
والتقدير فإذا جاء وعد الآخرة بعثنا عباداً لنا ليسوؤا وجوهكم الخ.
وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وحفص، وأبو جعفر، ويعقوب ﴿ ليسوؤا ﴾ بضمير الجمع مثل أخواته الأفعاللِ الأربعة.
والضمائر راجعة إلى محذوف دلّ عليه لام التعليل في قوله :﴿ ليسوؤا ﴾ إذ هو متعلق بما دل عليه قوله في ﴿ وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا ﴾ [ الإسراء : ٥ ]، فالتقدير : فإذا جاء وعد الآخرة بعثنا عليكم عباداً لنا ليسوؤوا وجوهكم.
وليست عائدة إلى قوله : عبادا لنا } المصرح به في قوله :﴿ فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأس شديد ﴾ [ الإسراء : ٥ ]، لأن الذين أساؤوا ودخلوا المسجد هذه المرة أمة غير الذين جاسوا خلال الديار حسب شهادة التاريخ وأقوال المفسرين كما سيأتي.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم، وخلف ليسوءَ } بالإفراد والضمير لله تعالى.
وقرأ الكسائي ﴿ لنَسوء ﴾ بنون العظمة.
وتوجيهُ هاتين القراءتين من جهة موافقة رسم المصحف أن الهمزة المفتوحة بعد الواو قد ترسم بصورة ألف، ، فالرسم يسمح بقراءة واو الجماعة على أن يكون الألف ألف الفرق وبقراءتي الإفراد على أن الألف علامة الهمزة.