لكن نلاحظ أن القرآن لم يقُلْ: ما علوتُم، إنما قال } مَا عَلَوْاْ ﴿ ليدل على أن ما أقاموه وما شيدوه ليس بذاتهم، وإنما بمساعدة من وراءهم من أتباعهم وأنصارهم، فاليهود بذاتهم ضعفاء، لا تقوم لهم قائمة، وهذا واضح في قَوْل الحق سبحانه عنهم:{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ.. ﴾[آل عمران: ١١٢]
فهم أذلاء أينما وُجدوا، ليس لهم ذاتية إلا بعهد يعيشون في ظِلِّه، كما كانوا في عهد رسول الله ﷺ في المدينة، أو عهد من الناس الذين يدافعون عنهم ويُعاونونهم.
واليهود قوم منعزلون لهم ذاتية وهُويّة لا تذوب في غيرهم من الأمم، ولا ينخرطون في البلاد التي يعيشون فيها ؛ لذلك نجد لهم في كل بلد يعيشون به حارة تسمى " حارة اليهود "، ولم يكن لهم ميْلٌ للبناء والتشييد ؛ لأنهم كما قال تعالى عنهم:﴿ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً.. ﴾[الأعراف: ١٦٨]
كل جماعة منهم في أمة تعيش عيشة انعزالية، أما الآن، وبعد أنْ أصبح لهم وطن قومي في فلسطين على حَدِّ زعمهم، فنراهم يميلون للبناء والتعمير والتشييد.
ونحن الآن ننتظر وَعْد الله سبحانه، ونعيش على أمل أن تنصلح أحوالنا، ونعود إلى ساحة ربنا، وعندها سينجز لنا ما وعدنا من دخول المسجد الأقصى، وتكون لنا الكرّة الأخيرة عليهم، سيتحقق لنا هذا عندما ندخل معهم معركة على أسس إسلامية وإيمانية، لا على عروبة وعصبية سياسية، لتعود لنا صِفَة العباد، ونكون أَهْلاً لِنُصْرة الله تعالى:
إذن: طالما أن الحق سبحانه قال: } فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ.. ﴿ [الإسراء: ٧]
فهو وَعْد آتٍ لا شَكَّ فيه، بدليل أن هذه العبارة جاءت بنصِّها في آخر السورة في قوله تعالى:{ وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً ﴾
[الإسراء: ١٠٤]


الصفحة التالية
Icon