أن الكسدانيين كانوا يعادون اليونانيين، فأعان الروم اليونانيين فغضب الكسدانيون من ذلك فحاربوا أهل رومية، واتصلت الحروب بينهم إلى هذا الحد، فلما انتقد الله العزيز على الكسدانيين طول تجبرهم وحكم بزوال ملكهم وانقضاء دولتهم كما أخبرت به الأنبياء عليهم السلام، أثار عليهم من ملوك الأمم ملكين عظيمين : أحدهما دارا ملك ماداي، والآخر كورش ملك الفرس، فتزوج كورش ملك الفرس بنت دارا واتفقا على معصية الكسدانيين، وأظهر الخلاف على بلتشصار بن بختنصر ملكهم، ثم سار إلى بابل في عساكر قوية، فأرسل إليهم بلتشصر عسكراً كبيراً، فجرت بينهم حرب عظيمة، قتل فيها من الفريقين خلق كثير، ثم انهزم عسكر بلتشصر وهربوا، فتبعهم كورش ودارا إلى مسيرة يوم عن بابل، وقتلا كثيراً منهم، وأقام دارا وكورش في ذلك الموضع، ثم إن بلتشصر بعث إليهما بألف قائد من قواده ومعهم جميع خاصته وجبابرته، فخرجوا من بابل آخر النهار، وساروا ليلتهم فانتهوا إلى عسكر دارا وكورش عند الصباح فكبسوهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، فانهزم دارا وثبت كورش فقاتل الكسدانيين ومنعهم أن يتبعوا عسكر دارا، وقامت الحرب بينهم طول النهار، ثم استظهر الكسدانيون على الفرس وقتلوا جماعة منهم، فانهزم الفرس وعاد قواد بلتشصار إليه ظافرين غانمين، فعظم سرور بلتشصار بذلك، وصنع لقواده صنيعاً عظيماً أحفل فيه وأحضر الآلات الحسنة من الفضة والذهب، وبالغ في إكرامهم وحضر معهم مجلس الشراب، فأكل وشرب وعظم سرورهم وسروره، فلما أخذ الشراب منه أراد أن يزيد في إكرام أصحابه وسرورهم، فأمر بإحضار آلات الذهب والفضة التي كان جده بختنصر الملك قد أخذها من هيكل بيت المقدس، ونقلها مع جالية بني إسرائيل إلى بابل، فأحضرت تلك الآلات بحضرة بلتشصر فشرب فيها الخمر وسقى فيها قواده ونساءه وجواريه، وأقبلوا يسبحون لأصنامهم ويحمدونها، قال : فسخط الله سبحانه من ذلك وكره ما فعله


الصفحة التالية
Icon