أما قوله :﴿وَيُبَشّرُ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ فاعلم أنه تعالى وصف القرآن بثلاثة أنواع من الصفات :
الصفة الأولى : أنه يهدي للتي هي أقوم، وقد مر تفسيره.
والصفة الثانية : أنه يبشر الذين يعملون الصالحات بالأجر الكبير، وذلك لأن الصفة الأولى لما دلت على كون القرآن هادياً إلى الاعتقاد الأصوب والعمل الأصلح، وجب أن يظهر لهذا الصواب والصلاح أثر، وذلك هو الأجر الكبير لأن الطريق الأقوم لا بد وأن يفيد الربح الأكبر والنفع الأعظم.
والصفة الثالثة : قوله :﴿وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ وذلك لأن الاعتقاد الأصوب والعمل الأصلح، كما يوجب لفاعله النفع الأكمل الأعظم، فكذلك تركه يوجب لتاركه الضرر الأعظم الأكمل.
واعلم أن قوله :﴿وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة﴾ عطف على قوله :﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ والمعنى أنه تعالى بشر المؤمنين بنوعين من البشارة بثوابهم وبعقاب أعدائهم، ونظيره قوله : بشرت زيداً أنه سيعطى وبأن عدوه سيمنع.
فإن قيل : كيف يليق لفظ البشارة بالعذاب ؟
قلنا : مذكور على سبيل التهكم، أو يقال : إنه من باب إطلاق اسم الضدين على الآخر، كقوله :﴿وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا﴾ [ الشورى : ٤٠ ].
فإن قيل : هذه الآية واردة في شرح أحوال اليهود وهم ما كانوا ينكرون الإيمان بالآخرة، فكيف يليق بهذا الموضع قوله :﴿وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾.
قلنا عنه جوابان : أحدهما : أن أكثر اليهود ينكرون الثواب والعقاب الجسمانيين، والثاني : أن بعضهم قال :﴿لَن تَمَسَّنَا النار إِلا أَيَّامًا معدودات﴾ [ آل عمران : ٢٤ ] فهم في هذا القول صاروا كالمنكرين للآخرة، والله أعلم.