ومجاهد فالمعنى على الأول أن القرآن يدعو الإنسان إلى الخير الذي لا خير فوقه من الأجر الكبير ويحذره من الشر الذي لا شر وراءه من العذاب الأليم وهو أي بعض أفراده أعني الكافر يدعو لنفسه بما هو الشر من العذاب المذكور إما بلسانه حقيقة كدأب من قال منهم :﴿ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ] ومن قال :﴿ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصادقين ﴾ [ الأعراف : ٧٠ ] إلى غير ذلك مما حكى عنهم، وإما بأعمالهم السيئة المفضية إليه الموجبة له مجازاً كما هو ديدن كلهم.
وبعضهم جعل الدعاء باللسان مجازاً أيضاً عن الاستعجال استهزاء.
﴿ دُعَاءهُ ﴾ أي دعاء كدعائه فحذف الموصوف وحرف التشبيه وانتصب المجرور على المصدرية وهو مراد من قال : مثل دعائه ﴿ بالخير ﴾ المذكور فرضاً لا تحقيقاً فإنه بمعزل عن الدعاء به، وفيه رمز إلى أنه اللائق بحاله.
﴿ وَكَانَ الإنسان ﴾ أي من أسند إليه الدعاء المذكور من أفراده ﴿ عَجُولاً ﴾ يسارع إلى طلب كل ما يخطر بباله متعامياً عن ضرره أو مبالغاً في العجلة يستعجل الشر والعذاب وهو آتيه لا محالة ففيه نوع تهكم به، وعلى تقدير حمل الدعاء على أعمالهم تجعل العجولة على اللج والتمادي في استيجاب العذاب بتلك الأعمال، والمعنى على الثاني أن القرآن يدعو الإنسان إلى ما هو خير وهو في بعض أحيانه كما عند الغضب يدعه ويدعو الله تعالى لنفسه وأهله وماله بما هو شر وكان الإنسان بحسب جبلته عجولاً ضجراً لا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه.


الصفحة التالية
Icon