ولما كان صاحب الذوق السليم يجد لحذف الموصوف هزة وروعة، لما يجد من الفخامة بإبهامه لا يجدها عند ذكره وإيضاحه، قال ﴿للتي﴾ أي للطرائق والأحوال والسنن التي ﴿هي أقوم﴾ من كل طريقة وسنة وحال دعا إليها كتاب من الكتب السماوية، أما في الصورة فباعتبار ما علا به من البيان، وأما في الوعود فباعتبار العموم لجميع الخلق في الدارين، وأما في الأصول فبتصريف الأمثال وتقريب الوسائل، وحسم مواد الشبه وإيضاح وجوه الدلائل، وأما الفروع فباعتبار الأحسنية تارة في السهولة والخفة، وتارة في غير ذلك - كما هو واضح عند من تأمل ما بين الأمرين.
ولما انقسم الناس إلى مهتد به وضال، أتبع سبحانه ذلك بيانه، وكان التعبير عن حالهما بالبشرى في قوله تعالى :﴿ويبشر المؤمنين﴾ أي الراسخين في هذا الوصف، ولهذا قيدهم بياناً لهم بقوله تعالى :﴿الذين﴾ يصدقون إيمانهم بأنهم ﴿يعملون﴾ أي على سبيل التجديد والاستمرار والبناء على العلم ﴿الصالحات﴾ من التقوى والإحسان ﴿أن لهم﴾ أي جزاء لهم في ظاهرهم وبواطنهم ﴿أجراً كبيراً﴾ إشارة إلى صلاح هذه الأمة وثباتهم على دينهم وأنه لا يزال أمرهم ظاهراً كما كان إنذار كتاب موسى عليه السلام قومه إشارة إلى إفسادهم وتبديلهم دينهم.
ولما بشرهم بما لهم في أنفسهم، أتبعه ما لهم في أعدائهم فقال تعالى :﴿وأن﴾ أي ويبشر المؤمنين أيضاً بأن ﴿الذين لا يؤمنون﴾ أي لا يتجدد منهم إيمان ﴿بالآخرة﴾ حقيقة أو مجازاً، المسبب عنه أنهم لا يعملون الصالحات حقيقة لعدم مباشرتها، أو مجازاً ببنائها على غير أساس الإيمان ؛ وعبر بالعتاد تهكماً بهم، فقال تعالى :﴿أعتدنا﴾ أي أحضرنا وهيأنا ما هو في غاية الطيب والنفاسة والملاءمة على سبيل الوعد الصادق الذي لا يتخلف بوجه، وهو مع ذلك منظور إليه، لعظمتنا ﴿لهم﴾ من عندنا بواسطة المؤمنين أو بلا واسطة.