فإن قالوا : ماهية الوجوب إنما تتقرر بسبب حصول الخوف من الذم ؟
قلنا : إنه تعالى إذا عفا فقد سقط الذم، فعلى هذا ماهية الوجوب إنما تتقرر بسبب حصول الخوف من الذم وذلك حاصل بمحض العقل، فثبت بهذه الوجوه أن الوجوب العقلي لا يمكن دفعه.
وإذا ثبت هذا فنقول : في الآية قولان : الأول : أن نجري الآية على ظاهرها.
ونقول : العقل هو رسول الله إلى الخلق، بل هو الرسول الذي لولاه لما تقررت رسالة أحد من الأنبياء، فالعقل هو الرسول الأصلي، فكان معنى الآية وما كنا معذبين حتى نبعث رسول العقل.
والثاني : أن نخصص عموم الآية فنقول : المراد وما كنا معذبين في الأعمال التي لا سبيل إلى معرفة وجوبها إلا بالشرع إلا بعد مجيء الشرع، وتخصيص العموم وإن كان عدولاً عن الظاهر إلا أنه يجب المصير إليه عند قيام الدلائل، وقد بينا قيام الدلائل الثلاثة، على أنا لو نفينا الوجوب العقلي لزمنا نفي الوجوب الشرعي، والله أعلم.
واعلم أن الذي نرتضيه ونذهب إليه أن مجرد العقل سبب في أن يجب علينا فعل ما ينتفع به، وترك ما يتضرر به، أما مجرد العقل لا يدل على أنه يجب على الله تعالى شيء.
وذلك لأنا مجبولون على طلب النفع والاحتراز عن الضرر، فلا جرم كان العقل وحده كافياً في الوجوب في حقنا والله تعالى منزه عن طلب النفع والهرب من الضرر، فامتنع أن يحكم العقل عليه بوجوب فعل أو ترك فعل، والله أعلم.
﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦) ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قوله :﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ في تفسير هذا الأمر قولان :


الصفحة التالية
Icon