الثاني : أن ظاهر الآية يدل على أنه تعالى إنما خص المترفين بذلك الأمر لعلمه بأنهم يفسقون، وذلك يدل على أنه تعالى أراد منهم الفسق، والثالث : أنه تعالى قال :﴿فَحَقَّ عَلَيْهَا القول﴾ بالتعذيب والكفر، ومتى حق عليها القول بذلك امتنع صدور الإيمان منهم، لأن ذلك يستلزم انقلاب خبر الله تعالى الصدق كذباً وذلك محال، والمفضي إلى المحال محال.
قال الكعبي : إن سائر الآيات دلت على أنه تعالى لا يبتدىء بالتعذيب والإهلاك لقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [ الرعد : ١١ ] وقوله :﴿مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ﴾ [ النساء : ١٤٧ ] وقوله :﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون﴾ [ القصص : ٥٩ ] فكل هذه الآيات تدل على أنه تعالى لا يبتدىء بالإضرار، وأيضاً ما قبل هذه الآية يدل على هذا المعنى وهو قوله :﴿مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ [ الإسراء : ١٥ ] ومن المحال أن يقع بين آيات القرآن تناقض، فثبت أن الآيات التي تلوناها محكمة، وكذا الآية التي نحن في تفسيرها، فيجب حمل هذه الآية على تلك الآيات هذا ما قاله الكعبي، واعلم أن أحسن الناس كلاماً في تأويل هذه الآية على وجه يوافق قول المعتزلة : القفال.
فإنه ذكر فيه وجهين :