ثمّ انطلق بي يطوف في الجنة حتّى انتهينا إلى شجرة لم أر شجرة مثلها، فلما وقفت تحتها رفعت رأسي فإذا أنا لا أرى شيئاً من خلق ربي غيرها لعظمها وتفرق اغصانها ووجدت فيها ريحاً طيبة لم أشم في الجنة ريحاً أطيب منها فقلّبت بصري فيها فإذا ورقها حلل طرايف من ثياب الجنة من بين أبيض وأحمر وأخضر وثمارها أمثال القلال العظام من كل ثمرة خلقها الله في السماوات والأرضين من ألوان شتى وطعوم شتى وريح شتى، فعجبت من تلك الشجرة وما رأيت من حسنها. قلت : ياجبرئيل ما هذه الشجرة؟ قال : هذه التي ذكرها الله عز وجلّ وبشرى لهم ﴿ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ [ الرعد : ٢٩، ص : ٢٥، ٤٠ ] ولكثير من أمتك ورهطك في ظلها حسن مقيل ونعيم طويل ورأيت في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كل ذلك مفروغ عنه معدّ إنما ينتظر به صاحبه من أولياء الله عزّ وجلّ وما غمني الذي رأيت قلت : لمثل هذا فليعمل العاملون.
ثمّ عرض عليَّ النار حتّى نظرت إلى أغلالها وسلاسلها وحيّاتها وعقاربها وغساقها ويحمومها، فنظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكلّ بهم من يأخذ بمشافرهم، ثمّ يجعل في أفواههم صخراً من نار تخرج من أسافلهم. قلت : يا جبرئيل من هؤلاء؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً. ثمّ انطلقت فإذا أنا بنقر لهم بطون كأنها البيوت وهم على سابلة آل فرعون فإذا مرَّ بهم آل فرعون ثاروا فيميل بأحدهم بطنه فيقع فيتوطأهم آل فرعون بأرجلهم وهم يعرضون على النار غدواً وعشياً. قلت : من هؤلاء ياجبرئيل؟
قال : هؤلاء أكلة الربا ومثلهم كمثل ﴿ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان مِنَ المس ﴾ [ البقرة : ٢٧٥ ] ثمّ إنطلقت فإذا أنا بنساء معلقات بثديهن منكسات أرجلهن. قلت : من هؤلاء ياجبرئيل؟ قال : هن اللاتي يزنين ويقتلن أولادهن.


الصفحة التالية
Icon