أما القسم الأول : وهو أن يكون طلب الآخرة راجحاً، فهل يكون هذا العمل مقبولاً عند الله تعالى فيه بحث، يحتمل أن يقال : إنه غير مقبول لما روي أن النبي ﷺ حكى عن رب العزة أنه قال :" أنا أغنى الأغنياء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشريكه " وأيضاً فطلب رضوان الله إما أن يقال : إنه كان سبباً مستقلاً بكونه باعثاً على ذلك الفعل أو داعياً إليه، وإما أن يقال : ما كان كذلك، فإن كان الأول امتنع أن يكون لغيره مدخل في ذلك البعث والدعاء، لأن الحكم إذا حصل مسنداً إلى سبب تام كامل امتنع أن يكون لغيره مدخل فيه، وإن كان الثاني فحينئذ يكون الحامل على ذلك الفعل والداعي إليه ذلك المجموع، وذلك المجموع ليس هو طلب رضوان الله تعالى، لأن المجموع الحاصل من الشيء ومن غيره يجب كونه مغايراً لكل واحد من جزئيه فهذا القسم التحق بالقسم الذي كان الداعي إليه مغايراً لطلب رضوان الله تعالى فوجب أن يكون مقبولاً، ويمكن أن يقال لما كان طلب الآخرة راجحاً على طلب الدنيا تعارض المثل بالمثل فيبقى القدر الزائد داعية خالصة لطلب الآخرة فوجب كونه مقبولاً، وأما إذا كان طلب الدنيا وطلب الآخرة متعادلين، أو كان طلب الدنيا راجحاً فهذا قد اتفقوا على أنه غير مقبول إلا أنه على كل حال خير مما إذا كان طلب الدنيا خالياً بالكلية عن طلب الآخرة.
وأما القسم الرابع : وهو أن يقال إنه أقدم على ذلك الفعل من غير داع فهذا بناء على أن صدور الفعل من القادر هل يتوقف على حصول الداعي أم لا ؟ فالذين يقولون إنه متوقف قالوا هذا القسم ممتنع الحصول، والذين قالوا : إنه لا يتوقف قالوا : هذا الفعل لا أثر له في الباطن وهو محرم في الظاهر لأنه عبث، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon