فلما قام النبي ( عليه السلام ) أطلق الله لسانه بالوحي، فقال : ياسماء استمعي ويا أرض انصتي حتّى فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمة واسطنعهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده واستقبلهم بالكرامة وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها، فآوى شاردتها وجمع ضالتها وجبر كسرها وداوى مريضها وأسمن مهزولها وحفظ سمينها، فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت كباشها فقتل بعضهم بعضاً حتّى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير، فويل لهذه الأُمة الخاطئة الذين لايدرون من أين جاءهم الخير، أن البعيد مما يذكر وطنه فينتابه وأن الحمار مما يذكر الآري الذي يشبع عليه فيراجعه وأن الثور مما يذكر المرج الذي سمن فيه فينتابه وأن هؤلاء القوم لا يدرون من أين جاءهم الخير وهم أولوا الألباب والعقول ليسوا بقراً ولا حميراً، وإني ضارب لهم مثلاً فليستمعوا، قل لهم : كيف ترون في أرض كانت خواء زماناً خربة مواتاً لا عمران فيها وكان لها رب حكيم قوي، فأقبل عليها بالعمارة وكره أن تخرب أرضه فأحاط عليها جداراً وشيّد فيها قصراً وأنبط نهراً وصنف فيها غراساً من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها، وولى ذلك واستحفظه قيماً ذا رأي وهمة ومتعة حفيظاً قوياً أميناً وانتظرها فلما أطلعت جاء طلعها خروباً قالوا : بئست الأرض هذه، نرى أن يهدم جدارها وقصورها ويدفن نهرها ويقبض قيّمها ويحرق غرسها حتّى تصير كما كانت أول مرة خراباً مواتاً لا عمران فيها.


الصفحة التالية
Icon