ولما نبه على أن ما نراه من التفضيل إنما هو بمحض قدرته، أخبر أن ما بعد الموت كله كذلك من غير فرق فقال :﴿وللآخرة﴾ أكد الإخبار عما فيها المستلزم لتأكيد الإعلام بوجودها لهم من إنكاره ﴿أكبر درجات﴾ من هذه الحياة الدنيا ﴿وأكبر تفضيلاً﴾ أولاً بالجنة والنار أنفسهما، وثانياً بالدرجات في الجنة والدركات في النار ؛ ولما كان العلم هنا مقيداً بالذنوب، ذكر بعد المفاضلة في الدنيا، ولعل في ذلك إشارة إلى أن أكثر من يزاد في الدنيا تكون زيادته نقصاً من آخرته بسبب ذنب اكتسبه أو تقصير ارتكبه، ولما كان العلم فيما يأتي في قوله تعالى :﴿وربك أعلم﴾ مطلقاً، طوى بعده الرذائل، وعطف على ذلك المطوي الفضائل، فقال تعالى :﴿ولقد فضلنا بعض، النبيين على بعض﴾ الآية، فمن كانت له نفس أبيه وهمة علية كان عليه أن يزهد في علو فانٍ لأجل العلو الباقي.
ولما تقرر بما مضى أن له سبحانه الأمر كله، وأنه متصف بجميع الكمال منزه عن شوائب النقص، أنتج أنه لا إله غيره، فقال تعالى يخاطب الرأس لأن ذلك أوقع في أنفس الأتباع، وإشارة إلى أنه لا يوحده حق توحيده سواه، ويجوز أن يكون خطاباً عاماً لكل من يصح أن يخاطب به :﴿لا تجعل مع الله﴾ الذي له جميع صفات الكمال ﴿إلهاً﴾ وسيأتي قريباً سر قوله :﴿ءاخر﴾ أنه مفهوم من المعية ﴿فتقعد﴾ أي فيتسبب عن ذلك أن تقعد أي تصير في الدنيا قبل الآخرة ﴿مذموماً ﴾.
ولما كان الذم قد يحتمله بعض الناس مع بلوغ الأمل، بين أنه مع الخيبة فقال تعالى :﴿مخذولاً﴾ أي غير منصور فيما أردته من غير أن يغني عنك أحد بشفاعة أو غيرها. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٣٧١ ـ ٣٧٣﴾


الصفحة التالية
Icon