البحث الثاني : قد ذكرنا أن هذه الآية تدل على وجوب عبادة الله تعالى وتدل على المنع عن عبادة غير الله تعالى وهذا هو الحق، وذلك لأن العبادة عبارة عن الفعل المشتمل على نهاية التعظيم ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام، ونهاية الإنعام عبارة عن إعطاء الوجود والحياة، والقدرة والشهوة والعقل، وقد ثبت بالدلائل أن المعطي لهذه الأشياء هو الله تعالى لا غيره، وإذا كان المنعم بجميع النعم هو الله لا غيره، لا جرم كان المستحق للعبادة هو الله تعالى لا غيره، فثبت بالدليل العقلي صحة قوله :﴿وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إياه ﴾.
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه تعالى أمر بعبادة نفسه، ثم أتبعه بالأمر ببر الوالدين وبيان المناسبة بين الأمر بعبادة الله تعالى وبين الأمر ببر الوالدين من وجوه :
الوجه الأول : أن السبب الحقيقي لوجود الإنسان هو تخليق الله تعالى وإيجاده، والسبب الظاهري هو الأبوان، فأمر بتعظيم السبب الحقيقي، ثم أتبعه بالأمر بتعظيم السبب الظاهري.
الوجه الثاني : أن الموجود إما قديم وإما محدث، ويجب أن تكون معاملة الإنسان مع الإله القديم بالتعظيم والعبودية، ومع المحدث بإظهار الشفقة وهو المراد من قوله عليه السلام :" التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله "
وأحق الخلق بصرف الشفقة إليه هو الأبوان لكثرة إنعامهما على الإنسان فقوله :﴿وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إياه﴾ إشارة إلى التعظيم لأمر الله وقوله :﴿وبالوالدين إحسانا﴾ إشارة إلى الشفقة على خلق الله.
الوجه الثالث : أن الاشتغال بشكر المنعم واجب، ثم المنعم الحقيقي هو الخالق سبحانه وتعالى.