وأقول لفظ الآية مشتمل على قيود كثيرة كل واحد منها يوجب المبالغة في الإحسان إلى الوالدين : أحدها : أنه تعالى قال في الآية المتقدمة :﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وسعى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ [ الإسراء : ١٩ ] ثم إنه تعالى أردفه بهذه الآية المشتملة على الأعمال التي بواسطتها يحصل الفوز بسعادة الآخرة فذكر من جملتها البر بالوالدين، وذلك يدل على أن هذه الطاعة من أصول الطاعات التي تفيد سعادة الآخرة.
وثانيها : أنه تعالى بدأ بذكر الأمر بالتوحيد وثنى بطاعة الله تعالى، وثلث بالبر بالوالدين وهذه درجة عالية ومبالغة عظيمة في تعظيم هذه الطاعة.
وثالثها : أنه تعالى لم يقل : وإحساناً بالوالدين، بل قال :﴿وبالوالدين إحسانا﴾ فتقديم ذكرهما يدل على شدة الاهتمام.
ورابعها : أنه قال :﴿إحسانا﴾ بلفظ التنكير والتنكير يدل على التعظيم، والمعنى : وقضى ربك أن تحسنوا إلى الوالدين إحساناً عظيماً كاملاً، وذلك لأنه لما كان إحسانهما إليك قد بلغ الغاية العظيمة وجب أن يكون إحسانك إليهما كذلك، ثم على جميع التقديرات فلا تحصل المكافأة، لأن إنعامهما عليك كان على سبيل الابتداء، وفي الأمثال المشهورة أن البادي بالبر لا يكافأ.
ثم قال تعالى :﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكبر أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
لفظ "إما" لفظة مركبة من لفظتين : إن، وما.
أما كلمة إن فهي للشرط، وأما كلمة ( ما ) فهي أيضاً للشرط كقوله تعالى :