والنهي عن القول المؤذي لا يكون أمراً بالقول الطيب، لا جرم أردفه بأن أمره بالقول الحسن والكلام الطيب فقال :﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا﴾ والمراد منه أن يخاطبه بالكلام المقرون بأمارات التعظيم والاحترام.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هو أن يقول له : يا أبتاه يا أماه، وسئل سعيد بن المسيب عن القول الكريم فقال : هو قول العبد المذنب للسيد الفظ، وعن عطاء أن يقال : هو أن تتكلم معه بشرط أن لا ترفع عليهما صوتك ولا تشد إليهما نظرك، وذلك لأن هذين الفعلين ينافيان القول الكريم.
فإن قيل : إن إبراهيم عليه السلام كان أعظم الناس حلماً وكرماً وأدباً، فكيف قال لأبيه يا آزر على قراءة من قرأ :﴿وَإِذْ قَالَ إبراهيم لأَبِيهِ ءازَرَ﴾ بالضم :﴿إِنّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِى ضلال مُّبِينٍ﴾ [ الأنعام : ٧٤ ] فخاطبه بالاسم وهو إيذاء، ثم نسبه ونسب قومه إلى الضلال وهو أعظم أنواع الإيذاء ؟
قلنا : إن قوله تعالى :﴿وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إياه وبالوالدين إحسانا﴾ يدل على أن حق الله تعالى مقدم على حق الأبوين، فإقدام إبراهيم عليه السلام على ذلك الإيذاء إنما كان تقديماً لحق الله تعالى على حق الأبوين.
النوع الرابع : قوله :﴿واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة﴾ والمقصود منه المبالغة في التواضع، وذكر القفال رحمه الله في تقريره وجهين : الأول : أن الطائر إذا أراد ضم فرخه إليه للتربية خفض له جناحه، ولهذا السبب صار خفض الجناح كناية عن حسن التربية، فكأنه قال للولد : اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك حال صغرك.
والثاني : أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه وإذا أراد ترك الطيران وترك الارتفاع خفض جناحه.
فصار خفض الجناح كناية عن فعل التواضع من هذا الوجه.
فإن قيل : كيف أضاف الجناح إلى الذل والذل لا جناح له ؟