ولما كان سبحانه عليماً بما في الطباع من ملال الولد لهما عند أخذهما في السن، قال تعالى :﴿إما﴾ مؤكداً بإدخال " ما " على الشرطية لزيادة التقرير للمعنى اهتماماً بشأن الأبوين ﴿يبلغن عندك﴾ أي بأن يضطر إليك فلا يكون لهما كافل غيرك ﴿الكبر﴾ ونفى كل احتمال يتعلق به المتعنت بقوله تعالى :﴿أحدهما أو كلاهما﴾ فيعجزا بحيث يكونان في كفالتك ﴿فلا تقل لهما أف﴾ أي لا تتضجر منهما، وفي سورة الأحقاف ما ينفع كثيراً هنا ؛ ثم صرح بما ينهى عنه الكلام من باب الأولى تعظيماً للمقام فقال :﴿ولا تنهرهما﴾ فيما لا ترضاه ؛ والنهر : زجر بإغلاظ وصياح.
وقال الأستاذ أبو الحسن الحرالي رحمه الله في كتابه في أصول الفقه : وقد أولع الأصوليون بأن يذكروا في جملة هذا الباب - أي باب الاستدلال بالملزوم على اللازم والأدنى على الأعلى - قوله تعالى :﴿ولا تقل لهما أف﴾ بناء على أن التأفيف عندهم أقل شيء يعق به الأب، وذلك حائد عن سنن البيان ووجه الحكمة، لأنه ليس في العقوق شيء أشد من التأفيف لأنه إنما يقال للمستقذر المسترذل، ولذلك عطف عليه ﴿ولا تنهرهما﴾ لأنه لا يلزم منه لزوم سواء ولا لزوم أحرى، ولا يصلح فيما يقع أدنى أن يعطف عليه ما يلزمه سواء أو أحرى، كما لو قال قائل : من يعمل ذرة خيراً يره، ومن يعمل قيراطاً يره، لم يصلح عطفه عليه لإفادة الأول إياه، ولعل ذلك شيء وهل فيه واهل فسلك إثره من غير اعتبار لقوله - انتهى.


الصفحة التالية
Icon