وسادسها : أن إتيان البهيمة هل يوجب القتل، فعند أكثر الفقهاء لا يوجب، وعند قوم يوجب، حجة القائلين بأنه لا يجوز القتل في هذه الصور هو أن الآية صريحة في منع القتل على الإطلاق، إلا لسبب واحد وهو قتل المظلوم، ففيما عدا هذا السببب الواحد، وجب البقاء على أصل الحرمة، ثم قالوا : وهذا النص قد تأكد بالدلائل الكثيرة الموجبة لحرمة الدم على الإطلاق، فترك العمل بهذه الدلائل لا يكون إلا لمعارض، وذلك المعارض إما أن يكون نصاً متواتراً أو نصاً من باب الآحاد أو يكون قياساً، أما النص المتواتر فمفقود، وإلا لما بقي الخلاف، وأما النص من باب الآحاد فهو مرجوح بالنسبة إلى هذه النصوص المتواترة الكثيرة، وأما القياس فلا يعارض النص.
فثبت بمقتضى هذا الأصل القوي القاهر أن الأصل في الدماء الحرمة إلا في الصور المعدودة، والله أعلم.
المسألة الرابعة :
قوله تعالى :﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا فَلاَ يُسْرِف﴾ فيه بحثان :
البحث الأول : أن هذه الآية تدل على أنه أثبت لولي الدم سلطاناً، فأما بيان أن هذه السلطنة تحصل فيما ذا فليس في قوله :﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا﴾ دلالة عليه ثم ههنا طريقان : الأول : أنه تعالى لما قال بعده :﴿فَلاَ يُسْرِف في القتل﴾ عرف أن تلك السلطنة إنما حصلت في استيفاء القتل، وهذا ضعيف لاحتمال أن يكون المراد :﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا﴾ فلا ينبغي أن يسرف الظالم في ذلك القتل، لأن ذلك المقتول منصور بواسطة إثبات هذه السلطنة لوليه.