قال الشافعي رحمه الله : قد دللنا على أن المسلم إذا قتل الذمي لم يدخل تحت هذه الآية، بدليل أن الذمي مشرك والمشرك يحل دمه، إنما قلنا : إنه مشرك لقوله تعالى :﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ [ النساء : ١١٦ ] حكم بأن ما سوى الشرك مغفور في حق البعض، فلو كان كفر اليهودي والنصراني شيئاً مغايراً للشرك لوجب أن يصير مغفوراً في حق بعض الناس بمقتضى هذه الآية، فلما لم يصر مغفوراً في حق أحد دل على أن كفرهم شرك، ولأنه تعالى قال :﴿لَّقَدْ كَفَرَ الذين قَالُواْ إِنَّ الله ثالث ثلاثة﴾ [ البقرة : ٧٣ ] فهذا التثليث الذي قال به هؤلاء، إما أن يكون تثليثاً في الصفات وهو باطل، لأن ذلك هو الحق وهو مذهب أهل السنة والجماعة فلا يمكن جعله تثليثاً للكفر، وإما أن يكون تثليثاً في الذوات، وذلك هو الحق ولا شك أن القائل به مشرك، فثبت أن الذمي مشرك، وإنما قلنا : إن المشرك يجب قتله لقوله تعالى :﴿فاقتلوا المشركين﴾ [ التوبة : ٥ ] ومقتضى هذا الدليل إباحة دم الذمي فإن لم تثبت الإباحة فلا أقل من حصول شبهة الإباحة.
وإذا ثبت هذا فنقول : ثبت أنه ليس كاملاً في المظلومية فلم يندرج تحت قوله تعالى :﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا﴾ وأما الحر إذا قتل عبداً فهو داخل تحت هذه الآية إلا أنا بينا أن قوله :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى الحر بِالْحُرّ والعبد بالعبد﴾ [ البقرة : ١٧٨ ] يدل على المنع من قتل الحر بالعبد من وجوه كثيرة وتلك الآية أخص من قوله :﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا﴾ والخاص مقدم على العام، فثبت أن هذه الآية لا يجوز التمسك بها في مسألة أن موجب العمد هو القصاص ولا في مسألة أنه يجب قتل المسلم بالذمي، ولا في مسألة أنه يجب قتل الحر بالعبد، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon