والتنصيص على وقائع الأشخاص المعينين في الأوقات المعينة يجري مجرى التنصيص على ما لا نهاية له، وذلك متعذر، فلهذه الضرورة اكتفينا بالظن.
أما الأحكام المثبتة بالأقيسة فهي أحكام كلية معتبرة في وقائع كلية وهي مضبوطة قليلة، والتنصيص عليها ممكن ولذلك فإن الفقهاء الذين استخرجوا تلك الأحكام بطريق القياس ضبطوها وذكروها في كتبهم.
إذا عرفت هذا فنقول : التنصيص على الأحكام في الصور العشر التي ذكرتموها غير ممكن فلا جرم اكتفى الشارع فيها بالظن، أما المسائل المثبتة بالطرق القياسية التنصيص عليها ممكن فلم يجز الاكتفاء فيها بالظن فظهر الفرق.
وأما الجواب الثاني : وهو قولهم الظن قد يسمى علماً فنقول : هذا باطل فإنه يصح أن يقال هذا مظنون وغير معلوم، وهذا معلوم وغير مظنون، وذلك يدل على حصول المغايرة، ثم الذي يدل عليه قوله تعالى :﴿قُلْ هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن﴾ [ الأنعام : ١٤٨ ] نفي العلم، وإثبات للظن، وذلك يدل على حصول المغايرة، وأما قوله تعالى :﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مؤمنات﴾ [ الممتحنة : ١٠ ] فالمؤمن هو المقر، وذلك الإقرار هو العلم.
وأما الجواب الثالث : فهو أيضاً ضعيف، لأن ذلك الكلام إنما يتم لو ثبت أن القياس حجة بدليل قاطع وذلك باطل لأن تلك الحجة إما أن تكون عقلية أو نقلية، والأول باطل لأن القياس الذي يفيد الظن لا يجب عقلاً أن يكون حجة، والدليل عليه أنه لا نزاع أن يصح من الشرع أن يقول : نهيتكم عن الرجوع إلى القياس ولو كان كونه حجة أمراً عقلياً محضاً لامتنع ذلك.


الصفحة التالية
Icon