ولما كانت السيئة قد صارت في حكم الأسماء كالإثم والذنب وزال عنها حكم الصفات، حملها على المذكر ووصفها به فقال تعالى :﴿سيئه﴾ وزاد بشاعته بقوله تعالى :﴿عند ربك﴾ أي المحسن إليك إحساناً لا ينبغي أن يقابل عليه إلا بالشكر ﴿مكروهاً﴾ أي يعامله معاملة المكروه من النهي عنه والذم لفاعله والعقاب، والعاقل لا يفعل ما يكرهه المحسن إليه حياء منه، فإن لم يكن فخوفاً من قطع إحسانه، وخضوعاً لعز سلطانه، ويجوز أن يكون المراد بهذا الإفراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إشارة إلى أنه لا يقدر أحد غيره على امتثال هذا المعنى على ما ينبغي، لأنه لا يعلم أحد العلم على ما هو عليه سواء، ولأن الرأس إذا خوطب بشيء كان الأتباع له أقبل وبه أعنى.
ولما تمت هذه الأوامر والزواجر على هذا الوجه الأحكم والنظام الأقوم، أشار إلى عظيم شأنه ومحكم إتقانه بقوله على طريق الاستئناف، تنبيهاً للسامع على أن يسأل عنه :﴿ذلك﴾ أي الأمر العالي جداً ﴿مما أوحى﴾ أي بعث في خفية ﴿إليك ربك﴾ أي المحسن إليك ﴿من الحكمة﴾ التي لا يستطاع نقضها ولا الإتيان بمثلها من الدعاء إلى الخير والنهي عن الشر، ومن حكمة هذه الأشياء المشار إليها من الأوامر والنواهي أنها لم تقبل النسخ في شريعة من الشرائع، بل كانت هكذا في كل ملة.
ولما بين أن الجهل سبب لكل سوء، وكان الشرك أعظم جهل، أتبعه - ليكون النهي عنه بدءاً وختاماً، دلالة على فرط شناعته عطفاً على ما مضى من النواهي - قوله تعالى :﴿ولا تجعل﴾ أو يقدر له ما يعطف عليه نحو : فالزمه ولا تجعل ﴿مع الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له الأمر كله ﴿إلهاً ﴾.


الصفحة التالية
Icon