إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} وفيه مباحث : الأول : قال المفسرون : أمر رسول الله ﷺ علياً أن يتخذ طعاماً ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين، ففعل علي عليه السلام ذلك ودخل عليهم رسول الله ﷺ وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى التوحيد وقال : قولوا لا إله إلا الله حتى تطيعكم العرب وتدين لكم العجم فأبوا عليه ذلك، وكانوا عند استماعهم من النبي ﷺ القرآن والدعوة إلى الله تعالى يقولون : بينهم متناجين هو ساحر وهو مسحور وما أشبه ذلك من القول، فأخبر الله تعالى نبيه بأنهم يقولون :﴿إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا ﴾.
فإن قيل : إنهم لم يتبعوا رسول الله فكيف يصح أن يقولوا :﴿إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا ﴾.
قلنا : معناه أنكم إن اتبعتموه فقد اتبعتم رجلاً مسحوراً، والمسحور الذي قد سحر فاختلط عليه عقله وزال عن حد الاستواء.
هذا هو القول الصحيح، وقال بعضهم : المسحور هو الذي أفسد.
يقال : طعام مسحور إذا أفسد عمله وأرض مسحورة أصابها من المطر أكثر مما ينبغي فأفسدها.
قال أبو عبيدة : يريد بشراً ذا سحر أي ذا رئة.
قال ابن قتيبة : ولا أدري ما الذي حمله على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسروه بالوجوه الواضحة، وقال مجاهد :﴿مَّسْحُورًا﴾ أي مخدوعاً لأن السحر حيلة وخديعة، وذلك لأن المشركين كانوا يقولون : إن محمداً يتعلم من بعض الناس هذه الكلمات وأولئك الناس يخدعونه بهذه الكلمات وهذه الحكايات، فلذلك قالوا : إنه مسحور أي مخدوع، وأيضاً كانوا يقولون : إن الشيطان يتخيل له فيظن أنه ملك فقالوا : إنه مخدوع من قبل الشيطان.
ثم قال :﴿انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال﴾ أي كل أحد شبهك بشيء آخر، فقالوا : إنه كاهن وساحر وشاعر ومعلم ومجنون، فضلوا عن الحق والطريق المستقيم فلا يستطيعون سبيلاً إلى الهدى والحق.


الصفحة التالية
Icon