وقوله ﴿ نحن أعلم بما يستمعون به ﴾ الآية، هذا كما تقول فلان يستمع بحرص وإقبال، أو بإعراض وتغافل واستخفاف، فالضمير في ﴿ به ﴾ عائد على ﴿ ما ﴾، وهي بمعنى الذي، والمراد بالذي ما ذكرناه من الاستخفاف والإعراض، فكأنه قال : نحن أعلم بالاستخفاف والاستهزاء الذي يستمعون به، أي هو ملازمهم، ففضح الله بهذه الآية سرهم، والعامل في ﴿ إذ ﴾ الأولى وفي المعطوفة عليها ﴿ يستمعون ﴾ الأول، وقوله ﴿ وإذ هم نجوى ﴾ وصفهم بالمصدر، كما قالوا : قوم رضى وعدل، وقيل المراد بقوله :﴿ وإذ هم نجوى ﴾ اجتماعهم في دار الندوة ثم انتشرت عنهم، وقوله ﴿ مسحوراً ﴾ الظاهر فيه أن يكون من السحر، فشبهوا الخبال الذي عنده بزعمهم، وأقواله الوخيمة برأيهم، بما يكون من المسحور الذي قد خبل السحر عقله وأفسد كلامه، وتكون الآية على هذا شبيهة بقول بعضهم ﴿ به جنة ﴾ [ المؤمنون : ٢٥ ] ونحو هذا، وقال أبو عبيدة :﴿ مسحوراً ﴾ معناه ذا سحر، وهي الرية يقال لها سحر وسُحر بضم السين، ومنه قول عائشة رضي الله عنها : توفي رسول الله ﷺ بين سحري ونحري ومنه قولهم للجبان : انتفخ سحره، لأن الفازع تنتفخ ريته، فكأن مقصد الكفار بهذا التنبيه على أنه بشر أي ذا رية، قال : ومن هذا يقال لكل من يأكل ويشرب من آدمي وغيره : مسحور ومسحر، ومنه قول امرىء القيس :[ الوافر ]
ونسحر بالطعام وبالشراب... وقول لبيد : بالطويل ]
فإن تسألينا فيمَ نَحْنُ فإننا... عصافيرُ من هذا الأنام المسحَّر
ومنه السحور، وهو إلى هذه اللفظة أقرب منه إلى السحر، ويشبه أن يكون من السحر، كالصبوح من الصباح، والآية التي بعد هذا تقوي أن اللفظة التي في الآية من السِّحر، بكسر السين، لأن حينئذ في قولهم ضرب مثل له وأما على أنها من السحر الذي هو الرية ومن التغذي وأن تكون الإشارة إلى أنه بشر فلم يضرب له في ذلك مثل بل هي صفة حقيقة له.