ثم قال تعالى :﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ﴾ قال الفراء يقال : أنغض فلان رأسه ينغضه إنغاضاً إذا حركه إلى فوق وإلى أسفل وسمي الظليم نغضاً لأنه يحرك رأسه، وقال أبو الهيثم : يقال للرجل إذا أخبر بشيء فحرك رأسه إنكاراً له قد أنغض رأسه فقوله :﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ﴾ يعني يحركونها على سبيل التكذيب والاستبعاد.
ثم قال تعالى :﴿وَيَقُولُونَ متى هُوَ﴾ واعلم أن هذا السؤال فاسد لأنهم حكموا بامتناع الحشر والنشر بناء على الشبهة التي حكيناها، ثم إن الله تعالى بين بالبرهان الباهر كونه ممكناً في نفسه، فقولهم متى هو كلام لا تعلق له بالبحث الأول، فإنه لما ثبت بالدليل العقلي كونه ممكن الوجود في نفسه وجب الاعتراف بإمكانه، فأما أنه متى يوجد فذاك لا يمكن إثباته من طريق العقل، بل إنما يمكن إثباته بالدلائل السمعية فإن أخبر الله تعالى عن ذلك الوقت المعين عرف وإلا فلا سبيل إلى معرفته.
واعلم أنه تعالى بين في القرآن أنه لا يطلع أحداً من الخلق على وقته المعين، فقال :﴿إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة﴾ [ لقمان : ٣٤ ] وقال :﴿إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ] وقال :﴿إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [ طه : ١٥ ] فلا جرم.
قال تعالى :﴿قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾ قال المفسرون عسى من الله واجب معناه أنه قريب.
فإن قالوا : كيف يكون قريباً وقد انقرض ستمائة سنة ولم يظهر ؟


الصفحة التالية