السلام ﴿ وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ﴾ وهو الذي فضل بعض الأنبياء على بعض بحسب علمه فيهم، فهذه إشارة إلى محمد ﷺ وإلى استبعاد قريش أن يكون الرسول بشراً، المعنى : لا تنكروا أمر محمد عليه السلام، وإن أوتي قرآناً، فقد فضل النبيون، وأوتي داود زبوراً، فالله أعلم حيث يجعل رسالاته، وتفضيل بعض الرسل، هو إما بهذا الإخبار المجمل دون أن يسمى المفضول وعلى هذا يتجه لنا أن نقول محمد أفضل البشر، وقد نهى عليه السلام عن تعيين أحد منهم في قصة موسى ويونس، وإما أن يكون التفضيل مقسماً فيهم : أعطي هذا التكليم، وأعطيت هذه الخلفة، ومحمد الخمس، وعيسى الإحياء، فكلهم مفضول على وجه فاضل على الإطلاق، وقوله ﴿ بمن في السماوات ﴾، الباء متعلقة بفعل تقديره، علم من في السماوات ذهب إلى هذا أبو علي لأنه لو علقها ب ﴿ أعلم ﴾ لاقتضى أنه ليس بأعلم بغير ذلك.
قال القاضي أبو محمد : وهذا لا يلزم ويصح تعلقها ب ﴿ أعلم ﴾ ولا يلتفت لدليل الخطاب وقرأ الجمهور :" زَبوراً " بفتح الزاي، وهو فَعول بمعنى مفعول، وهو قليل لم يجىء إلا في قدوع وركوب وحلوب، وقرأ حمزة ويحيى والأعمش " زُبوراً " بضم الزاي، وله وجهان : أحدهما أن يكون جمع زبور بحذف الزائد، كما قالوا في جمع ظريف، ظروف، والآخر، أن يكون جمع زبور كأن ما جاء به داود، جزىء أجزاء كل جزء منها زبر، سمي بمصدر زبر يزبر، ثم جمع تلك الأجزاء على زبور، فكأنه قال : آتينا داود كتباً، ويحتمل أن يكون جمع زبر الذي هو العقل وسداد النظر، لأن داود أوتي من المواعظ والوصايا كثيراً، ومن هذا قول النبي ﷺ، في آخر كتاب مسلم :" وأهل النار خمسة : الضعيف الذي لا زبر له "، قال قتادة زبور داود مواعظ وحكم ودعاء ليس فيه حلال ولا حرام. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon