وذكر من في السموات لإبطال قولهم ﴿ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملائكة ﴾ [ الفرقان : ٢١ ] وذكر من في الأرض لرد قولهم :﴿ لَوْلاَ نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ﴾ [ الزخرف : ٣١ ] فلا يدل تخصيصهما بالذكر وتعلقهما بأعلم على اختصاص أعلميته تعالى بما ذكر فما قاله أوب علي من أن الجار متعلق بعلم محذوفاً ولا يجوز تعلقه بأعلم لاقتضائه أنه سبحانه ليس بأعلم بغير ذلك ناشيء عن عدم العلم بما ذكرنا على أن أبا حيان أنكر تعدي علم بالباء وإنما يتعدى لواحد بنفسه في مثل هذا الموضع ﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ ﴾ بالفضائل النفسانية والمزايا القدسية وإنزال الكتب السماوية لا بكثرة الأموال والأتباع ﴿ وَءاتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً ﴾ بيان لحيثية تفضيله عليه الصلاة والسلام وأنه بإيتائه الزبور لا بإيتائه الملك والسلطنة وفيه إيذان بتفضيل نبينا ﷺ فإن كونه عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء.
وأمته خير الأمم مما تضمنه الزبور وقد أخبر سبحانه عن ذلك بقوله عز قائلاً :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزبور مِن بَعْدِ الذكر أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصالحون ﴾ [ الأنبياء : ١٠٥ ] يعني محمداً ﷺ، وأمته ونص بعضهم أن هذا من باب التلميح نحو قصة المنصور وقد وعد الهذلي بعدة فنسيها فلما حجا وأتيا المدينة قال له يوماً وهو يسايره يا أمير المؤمنين هذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحوص :
يا بيت عاتكة الذي أتغزل...
ففطن لمراده حيث قال ذلك ولم يسأله وعلم أنه يشير إلى قوله في هذه القصيدة :
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم...
مذق اللسان يقول ما لا يفعل