إلاّ أنه خرج مخرج الأمر لأنه أبلغ في الإلزام ؛ وقيل : معناه : لو كنتم حجارة أو حديداً لأعادكم كما بدأكم ولأماتكم ثم أحياكم، قال النحاس : وهذا قول حسن، لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة أو حديداً، وإنما المعنى : أنهم قد أقرّوا بخالقهم وأنكروا البعث، فقيل لهم : استشعروا أن تكونوا ما شئتم، فلو كنتم حجارة أو حديداً لبعثتم كما خلقتم أوّل مرة.
قلت : وعلى هذا الوجه قررنا جواب الشبهة قبل هذا.
﴿ أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ ﴾ أي : يعظم عندكم مما هو أكبر من الحجارة والحديد مباينة للحياة فإنكم مبعوثون لا محالة، وقيل : المراد به السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس.
وقال جماعة من الصحابة والتابعين : المراد به الموت، لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه.
والمعنى : لو كنتم الموت لأماتكم الله ثم بعثكم.
ولا يخفى ما في هذا من البعد، فإن معنى الآية : الترقي من الحجارة إلى الحديد، ثم من الحديد إلى ما هو أكبر في صدور القوم منه، والموت نفسه ليس بشيء يعقل ويحسّ حتى يقع الترقي من الحديد إليه ﴿ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ﴾ إذا كنا عظاماً ورفاتاً، أو حجارة أو حديداً مع ما بين الحالتين من التفاوت.
﴿ قُلِ الذى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ أي : يعيدكم الذي خلقكم واخترعكم عند ابتداء خلقكم من غير مثال سابق ولا صورة متقدّمة ﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءوسِهِمُ ﴾ أي : يحركونها استهزاءً، يقال : نغض رأسه ينغض وينغض وينغض نغضاً ونغوضاً أي : تحرك، وأنغض رأسه حركه كالمتعجب، ومنه قول الراجز :
أنغض نحوي رأسه : وأقنعا... وقول الراجز الآخر :
ونغضت من هرم أسنانها... وقال آخر :


الصفحة التالية
Icon