وعلى كلا الوجهين يكون قوله :﴿ مما يكبر في صدوركم ﴾ نهايةَ الكلام، ويكون قوله :﴿ فسيقولون من يعيدنا ﴾ مفرعاً على جملة ﴿ وقالوا أئذا كنا ﴾ [ الإسراء : ٤٩ ] الخ تفريعاً على الاستئناف.
وتكون الفاء للاستئناف وهي بمعنى الواو على خلاف في مجيئها للاستئناف، والكلام انتقال لحكاية تكذيب آخر من تكذيباتهم.
الوجه الثالث :} أن يكون قوله :﴿ قل كونوا حجارة ﴾ كلاماً مستأنفاً ليس جواباً على قولهم :﴿ أئذا كنا عظاماً ورفاتاً ﴾ [ الإسراء : ٤٩ ] الخ وتكون صيغة الأمر مستعملة في التسوية.
وفي هذا الوجه يكون قوله :﴿ فسيقولون من يعيدنا ﴾ متصلاً بقوله :﴿ كونوا حجارة أو حديداً ﴾ الخ، ومفرعا على كلام محذوف يدل عليْه قوله :﴿ كونوا حجارة ﴾، أي فلو كانوا كذلك لقالوا : من يعيدنا، أي لانْتقلوا في مدارج السفسطة من إحالة الإعادة إلى ادعاء عدم وجود قادر على إعادة الحياة لهم لصلابة أجسادهم.
وبهذه الوجوه يلتئم نظم الآية وينكشف ما فيه من غموض.
والحديد : تراب معدني، أي لا يوجد إلا في مغاور الأرض، وهو تراب غليظ مُختلف الغلظ، ثقيل أدكن اللون، وهو إما محتت الأجزاء وإما مورّقُها، أي مثل الورَق.
وأصنافه ثمانية عشر باعتبار اختلاف تركيب أجزائه، وتتفاوت ألوان هذه الأصناف، وأشرف أصنافه الخالصُ، وهو السالم في جميع أجزائه من المواد الغريبة.
وهذا نادر الوجود وأشهر ألوانه الأحمر، ويقسم باعتبار صلابته إلى صنفين أصليين يسميان الذكر والأنثى، فالصلب هو الذكر واللين الأنثى.
وكان العرب يصفون السيف الصلب القاطع بالذكر.
وإذا صهر الحديد بالنار تمازجت أجزاؤه وتميع وصار كالحلواء فمنه ما يكون حديدَ صب ومنه ما يكون حديدَ تطريق، ومنه فُولاذ.
وكل صنف من أصنافه صالح لما يناسب سبكه منه على اختلاف الحاجة فيها إلى شدة الصلابة مثل السيوف والدروع.


الصفحة التالية
Icon