وفي الكلام حذف دل عليْه الكلام المردود وهو قولهم :﴿ أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون ﴾ [ الإسراء : ٤٩ ].
والتقدير : كونوا أشياء أبعد عن قبول الحياة من العظام والرفات.
والمعنى : لو كنتم حجارة أو حديداً لأحياكم الله، لأنهم جعلوا كونهم عظاماً حجة لاستحالة الإعادة، فرد عليهم بأن الإعادة مقدرة لله تعالى ولو كنتم حجارة أو حديداً، لأن الحجارة والحديد أبعد عن قبول الحياة من العظام والرفات إذ لم يسبق فيهما حلول الحياة قط بخلاف الرفات والعظام.
والتفريع في فسيقولون من يعيدنا } على جملة ﴿ قل كونوا حجارة ﴾ أي قل لهم ذلك فسيقولون لك : من يعيدنا.
وجُعِلَ سؤالهم هنا عن المعيد لا عن أصل الإعادة لأن البحث عن المعيد أدخل في الاستحالة من البحث عن أصل الإعادة، فهو بمنزلة الجواب بالتسليم الجدلي بعد الجواب بالمنع فإنهم نفوا إمكان إحياء الموتى، ثم انتقلوا إلى التسليم الجدلي لأن التسليم الجدلي أقوى، في معارضة الدعوى، من المنع.
والاستفهام في ﴿ من يعيدنا ﴾ تهكمي.
ولما كان قولهم هذا محقق الوقوع في المستقبل أمر النبي بأن يجيبهم عندما يقولونه جواب تعيين لمن يعيدهم إبطالاً للازم التهكم، وهو الاستحالة في نظرهم بقوله :﴿ قل الذي فطركم أول مرة ﴾ إجراء لظاهر استفهامهم على أصله بحمله على خلاف مرادهم، لأن ذلك أجدر على طريقة الأسلوب الحكيم لزيادة المحاجة، كقوله في محاجة موسى لفرعون ﴿ قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين ﴾ [ الشعراء : ٢٥ ٢٦ ].
وجيء بالمسند إليه موصولاً لقصد ما في الصلة من الإيماء إلى تعليل الحكم بأن الذي فطرهم أول مرة قادر على إعادة خلقهم، كقوله تعالى :﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ﴾ [ الروم : ٢٧ ] فإنه لقدرته التي ابتدأ بها خلقكم في المرة الأولى قادر أن يخلقكم مرة ثانية.
والإنغاض : التحريك من أعلى إلى أسفل والعكس.


الصفحة التالية
Icon