أما قوله :﴿ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ﴾ ففيه أقوال : الأول أنه تعالى أراه في المنام مصارع كفار قريش حتى قال : والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وهو يأتي الأرض ويقول : هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان، فلما سمع قريش ذلك جعلوا رؤياه سخرية وكانوا يستعجلون بما وعد. الثاني : أنه رؤياه التي رأى أن يدخل مكة وبذلك أخبر أصحابه، فلما منع من البيت الحرام عام الحديبية كان ذلك فتنة لبعض القوم. وقال عمر لأبي بكر : قد أخبرنا رسول الله ﷺ أنا ندخل البيت فنطوف به. فقال أبو بكر : إنه لم يخبر أنا نفعل ذلك في هذه السنة فسنفعل ذلك في سنة أخرى. فلما جاء العام القابل دخلها وأنزل الله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ﴾ [ الفتح : ٢٧ ]. الثالث : قول سعيد بن المسيب وابن عباس في رواية عطاء أن رسول الله ﷺ رأى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك. الرابع وهو قول أكثر المفسرين : أن المراد بهذه الرؤيا هي حديث الإسراء. ثم اختلفوا، فالأكثرون على أن الرؤيا بمعنى الرؤية يقال : رأيت بعيني رؤية ورؤيا، أو سماها رؤيا على قول المكذبين حين قالوا لعلها رؤيا رأيتها وخيال خيل إليك. والأقلون على أن الإسراء كان في المنام وقد مر هذا البحث في أول السورة. قوله :﴿ والشجرة ﴾ فيه تقديم وتأخير، والتقدير وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس قال الأكثرون : إنها شجرة الزقوم لقيت في القرآن حيث لعن طاعموها. قال عز من قائل :﴿ إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ﴾ أو وصفت باللعن لأنه إلا بعاد وهي في أصل الجحيم أبعد مكان من الرحمة، أو العرب تقول لكل طعام مكروه ضارّ ملعون. والفتنة فيها أن أبا جهل وغيره قالوا : زعم صاحبكم أن نار جهنم تحرق الحجر ثم يقول ينبت فيها الشجر فأنزل الله تعالى هذه الآية. ونظيره قوله :﴿ إنا جعلناها فتنة للظالمين ﴾


الصفحة التالية
Icon