فأعرض في المكارم واستطالا
وكأنه أريد أعرضتم واستطلتم في الكفران إلا أنه استغنى بذكر العرض عن ذكر الطول للزومه له.
﴿ وَكَانَ الإنسان كَفُورًا ﴾ كالعليل للإعراض وهو بيان لحكم الجنس ويعلم منه حكم أولئك المخاطبين وفيه لطافة حيث أعرض سبحانه عن خطابهم بخصوصهم وذكر أن جنس الإنسان مجبول على الكفران فلما أعرضوا أعرض الله سبحانه عنهم.
﴿ أَفَأَمِنتُمْ ﴾ الهمزة للإنكار على معنى أنه لا ينبغي الأمن، والفاء للعطف على محذوف متوسط بينها وبين الهمزة أي أنجوتم فأمنتم وهو مذهب بعض النحويين، واختار بعضهم أن الهمزة مقدمة من تأخير لأصالتها في الصدارة والعطف على ما قبله، وجملة ﴿ كَانَ الإنسان ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ] الخ معترضة بين المتعاطفين ولا حذف في مثل ذلك وهو مذهب الأكثرين لكن لا يظهر تسبب الإنكار للأمن على ما قبل على ما يقتضيه هذا المذهب بل الظاهر ترتبه على النجاة فقط ولا مدخل للإعراض في تسبب الإنكار، والحق عندي في أمثال ذلك ما فيه استقامة المعنى من غير تكلف ولا يتعين التزام أحد المذهبين وإن أدى إلى التكلف فإنه تعصب محض، والخطاب لمن تقدم أفأمنتم أيها المعرضون عند النجاة ﴿ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر ﴾ الذي هو مأمنكم أي أن يغيبه الله تعالى ويذهب به في أعماق الأرض مصاحباً بكم أي وأنتم عليه على أن الباء للمصاحبة والجار والمجرور في موضع الحال، وجوز أن تكون الباء للسببية والجار والمجرور متعلق بما عنده أي أن يغيبه سبحانه بسببكم وتعقب بأنه لا يلزم من قلبه بسببهم أن يكونوا مهلكين مخسوفاً بهم.
وأجيب بأنه حيث كان المراد من جانب البر جانبه الذي هم فيه استلزم خسفه هلاكهم ولولا هذا لم يكن في التوعد به فائدة، ونصب ﴿ جَانِبٍ ﴾ في الوجهين على أنه مفعول به ليخسف.
وفي "الدر المصون" أنه مصوب على الظرفية وحينئذ يجوز كون الباء للتعدية على معنى أفأمنتم أن يغيبكم في ذلك.


الصفحة التالية
Icon