والفضل : الرزق، أي للتجارة وتقدم عند قوله تعالى :﴿ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم ﴾ في سورة [ البقرة : ١٩٨ ].
وهذا امتنان على الناس كلّهم مناسب لعموم الدعوة، لأنّ أهل مكة ما كانوا ينتفعون بركوب البحر وإنما ينتفع بذلك عرب اليمن وعرب العراق والناس غيرهم.
وجملة إنه كان بكم رحيماً } تعليل وتنبيه لموقع الامتنان ليرفضوا عبادة غيره مما لا أثر له في هذه المنة.
﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ﴾
بعد أن ألزمهم الحجة على حق إلهية الله تعالى بما هو من خصائص صنعه باعترافهم، أعقبه بدليل آخر من أحوالهم المتضمنة إقرارهم بانفراده بالتصرف ثم بالتعجيب من مناقضة أنفسهم عند زوال اضطرارهم.
فجملة ﴿ وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ﴾ خبر مستعمل في التقرير وإلزام الحجة إذ لا يخبر أحد عن فعله إخباراً حقيقياً.
وجملة ﴿ فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ﴾ خبر مستعمل في التعجيب والتوبيخ.
وضر البحر : هو الإشراف على الغرق ؛ لأنه يزعج النفوس خوفاً، فهو ضر لها.
و﴿ ضل ﴾ بضاد ساقطة فعل من الضلال، وهو سلوك طريق غير موصلة للمقصود خطأ.
والعدول إلى الموصولية لِما تؤذن به الصلة من عمل اللسان ليتأتى الإيجاز، أي من يتكرر دعاؤكم إياهم، كما يدل عليه المضارع.
فالمعنى غاب وانصرف ذكر الذين عادتكم دعاؤهم عن ألسنتكم فلا تدعونهم، وذلك بقرينة ذكر الدعاء هنا الذي متعلقه اللسان، فتعين أن ضلالهم هو ضلال ذكر أسمائهم، وهذا إيجاز بديع.
والاستثناء من عموم الموصول، لأن اسم الله مما يجري على ألسنتهم في الدعاء تارة كما تجري أسماء الأصنام، فالاستثناء متصل.