اعلم أن إبليس لما طلب من الله الإمهال إلى يوم القيامة لأجل أن يحتنك ذرية آدم فالله تعالى ذكر أشياء.
أولها : قوله :﴿اذهب﴾ [ الإسراء : ٦٣ ] ومعناه : أمهلتك هذه المدة.
وثانيها : قوله تعالى :﴿واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ﴾ يقال أفزه الخوف واستفزه أي أزعجه واستخفه، وصوته دعاؤه إلى معصية الله تعالى، وقيل : أراد بصوتك الغناء واللهو واللعب، ومعنى صيغة الأمر هنا التهديد كما يقال : اجهد جهدك فسترى ما ينزل بك.
وثالثها :﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾ في قوله :﴿وَأَجْلِبْ﴾ وجوه.
الأول : قال الفراء : إنه من الجلبة وهو الصياح وربما قالوا الجلب كما قالوا الغلبة والغلب والشفقة والشفق، وقال الليث وأبو عبيدة أجلبوا وجلبوا من الصياح.
الثاني : قال الزجاج في فعل وأفعل، أجلب على العدو إجلاباً إذا جمع عليه الخيول.
الثالث : قال ابن السكيت يقال هم يجلبون عليه بمعنى أنهم يعينون عليه.
والرابع : روى ثعلب عن ابن الأعرابي أجلب الرجل على الرجل إذا توعده الشر وجمع عليه الجمع، فقوله : وأجلب عليهم معناه على قول الفراء صح عليهم بخيلك ورجلك، وعلى قول الزجاج : أجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك وتكون الباء في قوله : بخيلك زائدة على هذا القول، وعلى قول ابن السكيت معناه أعن عليهم بخيلك ورجلك ومفعول الإجلاب على هذا القول محذوف كأنه يستعين على إغوائهم بخيله ورجله، وهذا أيضاً يقرب من قول ابن الأعرابي، واختلفوا في تفسير الخيل والرجل، فروى أبو الضحى عن ابن عباس أنه قال :"كل راكب أو راجل في معصية الله تعالى فهو من خيل إبليس وجنوده"، ويدخل فيه كل راكب وماشٍ في معصية الله تعالى، فعلى هذا التقدير خيله ورجله كل من شاركه في الدعاء إلى المعصية.
والقول الثاني : يحتمل أن يكون لإبليس جند من الشياطين بعضهم راكب وبعضهم راجل.


الصفحة التالية
Icon