فلما كانت هذه المطالب وإن كانت لذيذة بحسب الظاهر إلا أنها ممزوجة بهذه الآفات العظيمة والمخالفات الجسيمة، كان الترغيب فيها تغريراً، ولهذا المعنى قال تعالى :﴿وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً ﴾.
واعلم أنه تعالى لما قال له افعل ما تقدر عليه فقال تعالى :﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان﴾ وفيه قولان :
الأول : أن المراد كل عباد الله من المكلفين، وهذا قول أبي علي الجبائي، قال والدليل عليه أن الله تعالى إستثنى منه في آيات كثيرة من يتبعه بقوله :﴿إِلاَّ مَنِ اتبعك﴾ [ الحجر : ٤٢ ] ثم استدل بهذا على أنه لا سبيل لإبليس وجنوده على تصريع الناس وتخبيط عقولهم وأنه لا قدرة له إلا على قدر الوسوسة وأكد ذلك بقوله تعالى :﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ].
وأيضاً فلو قدر على هذه الأعمال لكان يجب أن يتخبط أهل الفضل وأهل العلم دون سائر الناس ليكون ضرره أعظم.
ثم قال وإنما يزول عقله لا من جهة الشيطان لكن لغلبة الأخلاط الفاسدة ولا يمتنع أن يكون أحد أسباب ذلك المرض اعتقاد أن الشيطان يقدم عليه فيغلب الخوف فيحدث ذلك المرض.
والقول الثاني : أن المراد بقوله :﴿إِنَّ عِبَادِي﴾ أهل الفضل والعلم والإيمان لما بينا فيما تقدم أن لفظ العباد في القرآن مخصوص بأهل الإيمان، والدليل عليه أنه قال في آية أخرى :
﴿إِنَّمَا سلطانه على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ﴾ [ النحل : ١٠٠ ].
ثم قال :﴿وكفى بِرَبّكَ وَكِيلاً﴾ وفيه بحثان :


الصفحة التالية
Icon