تعالى الذي أوجدها من العدم يفضل بعضها على بعض بما يحدث فيها من الأعراض، كما تقدمت الإشارة إليه في ﴿ولقد فضلنا بعض النبيّن على بعض﴾ [ الإسراء : ٥٥ ].
ولما أخبر تعالى بتكبره، كان كأنه قيل : إن هذه لوقاحة عظيمة واجتراء على الجناب الأعلى، فهل كان غير هذا؟ فقيل : نعم! ﴿قال أرءيتك﴾ أي أخبرني ﴿هذا الذي كرمت عليّ﴾ بم كرمته عليّ مع ضعفه وقوتي؟ فكأنه قيل : لقد أتى بالغاية في إساءة الأدب، فما كان بعد هذا؟ فقيل : قال مقسماً لأجل استبعاد أن يجترىء أحد هذه الجراءة على الملك الأعلى :﴿لئن أخرتن﴾ أي أيها الملك الأعلى تأخيراً ممتداً ﴿إلى يوم القيامة﴾ حياً متمكناً ﴿لأحتنكن﴾ أي بالإغواء ﴿ذريته﴾ أي لأستولين عليهم بشدة احتيالي كما يستولي الآكل على ما أخذه في حنكه، بتسليطك لي عليهم ﴿إلا قليلاً﴾ وهم أولياؤك الذين حفظتهم مني، فكأنه قيل : لقد أطال في الاجتراء فما قال له ربه بعد الثالثة؟ فقيل :﴿قال﴾ مهدداً له :﴿اذهب﴾ أي امض لثباتك الذي ذكرته بإرادتي لا بأمري، فإنك لن تعدو أمرنا فيك وقد حكمنا بشقاوتك وشقاوة من أردنا طاعته لك، ولذلك سبب عنه قوله تعالى :﴿فمن تبعك﴾ أي أدنى اتباع ﴿منهم﴾ أي أولاد آدم عليه السلام، ويجوز أن يراد بتجريد الفعل أن من تبعه بغير معالجة من فطرته الأولى لا يكون إلا عريقاً في الشر.
ولما كان التقدير : أذقته من خزيك، عبر عنه بقوله تعالى :﴿فإن جهنم﴾ أي الطبقة النارية التي تتجهم داخلها ﴿جزاؤكم﴾ أي جزاءك وجزاءهم، تجزون ذلك ﴿جزاء موفوراً﴾ مكملاً وافياً بما تستحقون على أعمالكم الخبيثة.


الصفحة التالية
Icon