أما إذا استنبط الإنسان علماً وأودعه في الكتاب، وجاء الإنسان الثاني واستعان بذلك الكتاب، وضم إليه من عند نفسه أشياء أخرى ثم لا يزالون يتعاقبون، ويضم كل متأخر مباحث كثيرة إلى علم المتقدمين كثرت العلوم وقويت الفضائل والمعارف وانتهت المباحث العقلية والمطالب الشرعية إلى أقصى الغايات وأكمل النهايات، ومعلوم أن هذا الباب لا يتأتى إلا بواسطة الخط والكتبة، ولهذه الفضيلة الكاملة قال تعالى :﴿اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم الذى عَلَّمَ بالقلم عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [ العلق : ٣-٥ ].
وسادسها : أن أجسام هذا العالم إما بسائط وإما مركبات، أما البسائط فهي الأرض والماء والهواء والنار.
والإنسان ينتفع بكل هذه الأربع، أما الأرض فهي لنا كالأم الحاضنة.
قال تعالى :﴿مِنْهَا خلقناكم وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى﴾ [ طه : ٥٥ ] وقد سماها الله تعالى بأسماء بالنسبة إلينا، وهي الفراش والمهد، والمهاد، وأما الماء فانتفاعنا به في الشرب والزراعة والحراثة ظاهر، وأيضاً سخر البحر لنأكل منه لحماً طرياً، ونستخرج منه حلية نلبسها ونرى الفلك مواخر فيه، وأما الهواء فهو مادة حياتنا، ولولا هبوب الرياح لاستولى النتن على هذه المعمورة، وأما النار فيها طبخ الأغذية والأشربة ونضجها، وهي قائمة مقام الشمس والقمر في الليالي المظلمة، وهي الدافعة لضرر البرد كما قال الشاعر :
ومن يرد في الشتاء فاكهة.. فإن نار الشتاء فاكهته